في حديقتنا….مقبرة

ضحكات صاخبة لأطفال ثابروا الحضور تطرب لها الأرواح كما يبدو٫ فالقبور هنا خضراء خلافاً للصفار الطاغي على مُحررِنا في هذا الحر الخانق..

ثلاثة طفلات محجّبات تظبِطن إيقاع اللعب:

“لنلْعب الآن حرب: أنا حر وإنت نظامي” وتنطلق أصوات الرصاص قبل المعركة “طاء طاء طاء..موتي موتي قتلتِك”..يصرخ طفل في وجهي “كسرتلك الكاميرا خالي شو عمتصوري ماحسيتي إني صبتك!” ثم زمور الاسعاف وصرخات “جريح جريح” تتبرّع الصغرى بعد أن ترمي عصاها الرشّاش “قال أنا مُسعفة” وتسرع لنجدة طفل مُدّد على التراب قبل أن تصرخ فيه “إنت جريح ما بصير تضحك!”.

يشارك قنّاص الحارة من طرف النظام بمعركتهم الافتراضية برصاصّتين تصيبان شاهدة قبر مجاور٫ يعتصر قلبي على صاحب هذا القبر الذي يرصد القناص روحه مانعاً حتى ساقي القبور من الوصول إليه٫ فأترك اللعبة وأذهب إليه خصيصاً لأقرأ الفاتحة والسلام.

يحتفل الأطفال بعدها بإمساك شبيح قبل أن يعدموه ميداناً مع تصفيق حار٫ ثم يشيْعون شهيداً بكنزة حمراء وعيون مفتوحة يعجز عن إغماضها لفرط الحماسة..

“حاج حرب يالله على الزحليطة” يأتي الأمر مرة أخرى من الكُبرى فيركض الجميع نحو جسم حديدي مُنهك٫ فُصّل على شكلة زحليقة صغيرة يجلسون فيها كقطار بدل الزحلقة بعد أن فقدت قدرتها على الزحلقة٫ بعضهم يختار المشي وآخرون يجبرونها على العمل بالتدافع.

هديتي
هديتي

إلى جوارها أرجوحة بأربعة مقاعد يجلس فيها ثمانية ويتعلّق اثنان ولا بدّ عند انطالاقها من التصفيق٫ غنّت البنات البارحة أغنية “يا بنات” لنانسي عجرم والتي تتغنّي فيها بإنجاب البنات٫ وكل من البنّات المشاركات في الأغنية تذكّر عبسة أمها وأبيها عندما سمعوا بقدموها٫ ولا بد أنها أيضاً تذكر كلمات العزاء “يالله شو ما بيبعت الله منيح٫ المهم الخلفة التامة٫ ان شالله البطن الجاي صبي”…

يسّرع الصبي المشاغب الأرجوحة حدّ الوقوع فتصرخ فيه إحداهّن “إذا بتحب الحرية بتوقف” فيعلّق جسده الصغير بين حديدتي الأرجوحة ويوقفها حالاً.

IMG_7332
سوريا في سجنها

بالتراب الذي تجمعهم به علاقة حميمية٫ قرر حمودي أن يصنع “طبخة” مع رشّة “بهار وياسمين” تحوّلت فجأة لتّلة مسوّرة بعيدان طويلة وحجارة أسموها سجناً ووضعوا فيها لعبة جوجو التي أسمتها “سوريا” فأصبحت سوريا سجينة على رأس التلّة وعلى يمنيها علبة حليب قديمة قرر حمودي أنها برميل وبقايا “كرّيجة” بدولاب واحد وضع فوقها خشبة فأصبحت “مدفع”.

خلف هذا الانستلايشن العفوي كانت ضياء وأخواتها تكتبن اسمي بأوراق شجيرات جمعنها من فوق القبور وهنّ يلعبن لعبة “التخباية”…احتفاءً بأنا الغريبة الصامتة من فرط الدهشة والمصيبة…

أما جمهور هذه اللوحات الفنّية٫ فهم أنا والطفلتان نور وراما أزرق اللتان استشهدتا بمجزرة مدرسة عين جالوت في نيسانأبريل الماضي٫ كانتا رفيقتا صف للطفلات المتعلقّات بروحّهن بحيويّة..نور وراما أختا صديقنا “أسمر” كانتا معي تتابعان من قبرهما المزّين بتدرجّات الأخضر عروض فنّ الارتجال في مقبرة صلاح الدين التي استطونت الحديقة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.