بدا خلال الشهرين الماضيين، أن مصر تتصدر المشهد العربي في نسختها من حملة “Me Too”، وذلك بعدما تجرأت شابة على التقدّم ببلاغ ضد طالب في الجامعة الأميركية تحرّش بها قبل سنوات؛ واسمه أحمد زكي، ليُسجن على ذمة التحقيق وتُوجه له تهم اغتصاب وإساءات جنسية.
حدث ذلك في 6 تموز/يوليو الماضي، بعد أربعة أيام فقط على إنشاء صفحة في موقع “إنستغرام” تحمل اسم “شرطة الاعتداءات assaultpolice“، نشرت عشرات الشهادات ضد هذا الشاب العشريني بالاغتصاب والتحرش، من دون أن تكشف هوية أي من الناجيات.
وفي هذا الأسبوع أحالت النيابة العامة، أحمد الى محكمة الجنايات بتهمة “هتك عرض ثلاث فتيات أقل من 18 عاماً”. وبحسب بيان النيابة، فإن المتهم هدد ضحاياه الثلاث، وفتاة أخرى، بإفشاء أمور “تمسّ شرفهن”، وكان التهديد مصحوباً بطلب استمرار علاقته الجنسية معهن.
إلى أن جاء توثيق الصحافي الاستقصائي والطبيب، محمد أبو الغيط، لإحدى شهادات هذه المدوّنة بنفسه، وتوثيقي أنا لثلاثة أخرى، وبهذا تغيّرت مجريات الأحداث وبدأ العمل للسير على درب قضية أحمد زكي.
عن الشهادة كتب أبو الغيط في صفحته: “تواصلت معي زميلة وصديقة عزيزة أعرفها منذ سنوات، وفاجأتني بأنها صاحبة احدى الشهادات المنشورة بالمدونة وطلبت مني أن أنشر ذلك. ورغم أني أعرف الزميلة جيداً سألتها عن تفاصيل، وقمت بتدقيق المدى الزمني والمكان المذكورين بالواقعة مع الأدلة الظرفية المتاحة وكانت كلها متطابقة بالفعل”.
أما عن نفسي، فقد وثّقت ثلاث شهادات، الأولى من صحافية سورية تعرّفت على علاّم خلال تدريب لشبكة “أريج” في عمّان، ثم من شخصية مصريّة عامة التقته بسبب تحقيق كان يعمل عليه، إضافة لطالبة كان يدّرسها في إحدى الجامعات الثلاث التي يحاضر فيها.
وفيما كنا نعّد بالتنسيق، مع جهات أخرى، لتشجيع صاحبات الشهادات ليقدمن شكواهن للمجلس القومي للمرأة، بدأت تطورات ما يُعرف بـ”قضية الفيرمونت” وتوقفت كل الجهود، بعدما شاهدنا ما يمكن أن يحدث مع الضحية والشهود.
ما هي قضية الفيرمونت؟
كما قضية زكي، أعلنت النيابة المصرية العامة في الخامس من الشهر الماضي، بدء التحقيق القضائي في الواقعة، بعد تلقي المجلس القومي للمرأة شكوى قدمتها إحدى الفتيات عن تعدي الشبان عليها جنسيًا في 2014 داخل فندق “فيرمونت نايل سيتي”، وأرفقت شكواها بشهادات مقدمة من البعض حول معلوماتهم عن الجريمة.
بعد أيام، أعلنت النيابة أن سبعة من المتهمين هربوا من مصر بالفعل، وأنه جاري اتخاذ إجراءات ملاحقتهم قضائياً خارج البلاد. وفي آخر شهر أغسطس/آب، أمرت النيابة بحبس متهمين اثنين، كما ألقت الشرطة اللبنانية القبض على ثلاثة آخرين بعد هروبهم إلى لبنان.
إلى أن حدث تحوّل مفاجئ في القضية هذا الأسبوع، حيث تحوّل الشهود في القضية لمُتهمين في قضية جديدة، وهي “تعاطي المخدرات والتحريض على الفسق والفجور، والتحريض على ممارسة اللواط والسحاقية، وإقامة حفلات جنس جماعي”، إضافة الى “إثارة مشكلات وهمية تخص قضية العنف ضد المرأة ونشرها في السوشيال ميديا”.
ظهرت هذه القضية بسبب تقدم محامي المتهمين بالاغتصاب ببلاغات ضد الشاهدات الثلاث وضحية الاغتصاب، فور إدلائهن بأقوالهن في الواقعة، وأرفقوا بالبلاغ فيديوهات شخصية للشهود والضحية، توضح أن المتهمين بالاغتصاب كانوا في “علاقات بالتراضي” مع المجني عليها والشاهدات.
الصحافية المصرية الاستقصائية، بسمة مصطفى، التي أعدّت سلسلة تحقيقات عن هذه القضية لـ”المنصة” تقول: “القضية الجديدة تضم ستة اشخاص، ثلاث شاهدات، واثنين من اصدقاء الشاهدات ليس لهم أية علاقة بالقضية من الأساس، حيث قُبض عليهم بمحض الصدفة بسبب تواجدهم مع الشاهدات لحظة القبض عليهن، والأخير هو منظم حفلات شهير، ليس متهماً بقضية الاغتصاب، ولا كان شاهداً فيها حتى”.
إحدى الشاهدات في هذه القضية، نازلي محمود، هي ابنة الممثلة نهى العمروسي التي قالت “بنتي كانت بتحاول تنصف ضحية مظلومة كي تأخذ حقها، لكن ما يحدث الآن هو توريطها في قضية جديدة”.
فضائح وانتهاكات جنسية لشهود القضية وضحيتها
ولا يزال المجلس القومي للمرأة الذي وعد الشاهدات والضحية بحمايتهن والحفاظ على الخصوصية مقابل الإدلاء بالشهادة في قضية الاغتصاب، ملتزماً بالصمت، وممتنعاً عن أي رد منذ اعتقال الشاهدات.
تقول بسمة إن محامي الشاهدات والضحية “يرون أن المجلس غدر بالبنات بعدما وعدهم بالحماية من اجل الادلاء بشهادتهن، وبعدما طمأنهن إلى أن أسماءهن ستكون مجرد كود (رمز) وللاسف دا محصلش”.
ويواجه المجلس ورئيسته، مايا مرسي، حملة انتقادات واسعة في وسائل التواصل الاجتماعي تتهمه “بتسليم البنات والتواطؤ مع الأمن وعائلات المغتصبين”، وهم أصحاب سلطة ونفوذ ولديهم علاقات بمراكز حساسة داخل الدولة.
إسكات الضحايا ونهاية آمال العدالة
ويوافقها في هذا الصحافي أبو الغيط، الذي يشير الى “الأثر البديهي” للمزيد من إخافة المبلّغات والشاهدات من التوجه إلى النيابة، ويتحدث عن أن الشخصية التي وثق شهادتها كانت في البداية رافضة تماماً للتوجه الى النيابة بسبب شكّها في قدرتها على إثبات واقعة مرت عليها سنوات، وتخوفها من كافة الضغوط المجتمعية والمهنية في حال كُشفت هويتها.
لكن بعد التفاعل الإيجابي بدأ موقفها يتغير، وكانت تفكر جدياً في التوجه للنيابة، لكن فور حدوث تطورات قضية فيرمونت، تراجعت مرة أخرى، وأصابها الخوف مما حدث”، وهو ما حدث تماماً مع الناجيتين اللتين كنت أنسق معهما أنا أيضاً.
ويرى أبو الغيط أنه “لا يمكن النظر لما حدث خارجاً عن سياق الجوانب السياسية في مصر، حيث تضيق السلطة بأي حراك مجتمعي خارج عن إرادتها، ويبدو أن هناك من أصابه الضيق من تكرار نمط ظهور الشكاوى في مواقع التواصل الاجتماعي أولاً، ثم التوجه للنيابة، ثم تجاوب النيابة بنفس المطلوب بالضبط من الرأي العام. كأن هناك من يود القول: نحن من يحكم لا أنتم”. فيما تلخص بسمة مشاعرها اتجاه ما يحدث بقولها “دلوقتي الجميع محبط”.