حدث برميلي عابر

هوى البرميل الأول وفشل في إزاحة النوم عن عيوني٫ ترّقبت بين الغفا والحلم هبوطه وعدت لأحلامي التي كنت فيها أهرب من قاتل يستهدفني.

ماتزال المروحية فوقنا٫ هي قريبة حدّ الركن على سطح البناء وربما ينوي وحشها الباسل أن ينزل ليتحسي معنا قهوة الصباح.

رمت الثاني٫ صوته كهدير الطائرة الحربية عندما تنكّس لضرب صاروخها٫ يخلع القلب يخطبه بالأرض قبل أن يلعب به بينغ بون مع الجدران.

أغلقت أذناي٫ تكوّرت كدودة “أم علي واتدعبلي” وتكوّمت كقماشة تسلّم مصيرها للريح. توقفت الثواني والبرميل مازال يهوي.

علينا؟ على منزل صديقي سلمان؟ أم تراه يختار بكري أم حليم؟ تقفز الخواطر في رأسي المشوش كرصاصات عشوائية يرقص عقلي بينها محاولاً تجنّبها.

انفجاااااار٫ كما من يستقيظ من تخدير شامل٫ أفتح عيوني ببطء٫ وأصغي أخيراً. صوت زجاج الشبابيك والأبواب يتكسّر على مهل كمشهد مصوّر بالslow motion.

نهرع للشباك٫ الدخان خلف بيت سلمان٫ يا إلهي!

قبضات الحاجر القريب تكبّر وتصرخ “لا تتجمعّوا المروحي في الأجواء”٫ يتجاهل الجميع ويهرعون نحو الحارة الضيّقة التي اختارها البرميل.

التقينا جميعاً كزومبي خرجوا تواً من قبورهم نحو موت آخر٫ لا “صباح الخير” ولا “مرحبا”٫ باستعجال تبادلنا السؤال المُحب “أنت منيح؟” والجواب هزّة رأس..والمنيح هنا تعني حيّ لا أكثر.

في الحارة المقصوفة روضة ومركز تعليمي٫ يصرخ الهارعون “الروضة؟ ضرب المدرسة”. تُخلق سيارات الاسعاف والدفاع المدني ويبدأ شباب الحارة بحفّ الركام بإيديهم لإخراج الجرحى. كلّهم أطفال.

لا يبكون٫ لا تتحرك مقلهم٫ كتماثيل بلا ملامح يُنقل الأطفال الجرحى وذوي الإصابات الخفيفة لمشفيين ميدانيين ليسهل بحث الأهالي عنهم.

للأساتذة والآنسات نصيب من القتل أيضاً٫ ماتزال أنسة وطفلة مفقودة تحت الركام حتى لحظة كتابة هذه المدونة.

تركض أم ذاهلة نحونا٫ تصيح دون صوت٫ أقترب منها لأسمع “أولادي٫ هون”٫ يخبرها الدكتور حمزة أن الأطفال نقلوا لمشفى ميداني “أكيد أولادك هونيك٫ روحي شوفيهم خاله٫ إنشالله مافيهم شي٫ أغلب الأطفال إصابات بس”.

لا تحملها قدماها٫ تتبسمر في مكانها ليأتي قريبها ويجرّها.

“الطيران في الأجواء يطلب الإذن بالرمي”٫ تختبئ سيارة الاسعاف ويركض المدنيون المتجمّعون ليختئبوا بالأبنية المجاورة٫ وما إن تبعتد قليلاً يعود الجميع.

طفلتان في السادسة تقريباً من عمرهما عالقتان بالغرفة بالروضة المقابلة للبرميل٫ ترتطمان ببعضهما وتبكيان٫ يراهما محمود٫ يحملهما  ويسألهما أين تسكنان٫ “عمو يعني نحنا ما متنا؟” تسأله إحداهما.

حلب

٣-٥-٢٠١٥

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.