نحنا ما عنّا بنات تتوظّف بشهادتها، عنّا البنت بتدلّل كلّ شي بيجي لخدمتها، شغلك قلبي وعاطفتي وحناني، مش رح تفضي لـَ أي شي تاني.. بيكفي إنك رئيسة جمهورية قلبي..”
هذا ليس خطابا جاهليا في عهد الجواري، ولا محاضرة يلقيها الملّا عمر في أفغانستان، هي أغنية لـ”مغني” لبناني تبث دون توقف على الإذاعات السورية والعربية.
وتعيين الـ”مغني” محمد اسكندر لزوجته في منصب “رئيسة جمهورية” قلبه لا يقيها من التعرض للتهديد، فإذا فكرت في العمل، المشاكل هي النتيجة، يقول المقطع الثاني ” شيلي الفكرة من بالك أحلالك ليش بتجيبي المشاكل لحالك” أما السبب فهو في السيناريو “تَ نفرض بقبل تشتغلي شو منعمل بجمالك، بكرا المدير بيعشق و بيتحرّك إحساسو و طبيعي إنّي إنزل هدّ الشّركة عَ راسو”.
“مبدع” كلمات هذه “الأغنية” فارس اسكندر (ابن المغني محمد) وصفها بأحد لقاءاته الصحفية بأنها “ملحمة ولا تشكل خطراً على أحد، إنما تنتصر لرئيسة الجمهورية الوحيدة في العالم العربي”.
فارس طبعا راجع القاضية سهيلة إبراهيم التي كانت أول امرأة تشغل منصب المحامي العام في سورية، و سميرة مسالمة أول امرأة رئيسة تحرير لصحيفة حكومية، ونائبتي الرئيس السوري للشؤون الثقافية والإعلامية ووزيرة الاقتصاد ليتأكد بأن “ملحمته” “لا تشكل خطرا على أحد”.
ثم تأكد من السيدات اللواتي تبلغ نسبتّهن 12 % من أعضاء مجلس الشعب و11% من أعضاء السلك الدبلوماسي و7% في الوزارات، قبل أن يراجع لجان سيدات الأعمال في غرف صناعة وتجارة سورية و630 ألف سوريّة خرجن عن سياق الـ63% من الإيناث اللواتي يصرفن طاقاتهم في التدبير المنزلي ويشكل إنتاجهم غير المرئي مايقارب الـ 603 مليارات ليرة سورية بحسب بحث “عمل النساء المنزلي غير المأجور في سورية”.
نازك العابد هو الاسم الذي ألح عليّ عندما سمعت هذه “الأغنية” عبر الإذاعات السورية، أطرقت برأسي وخجلت من ذكراها، نازك أو “جان دارك الشرق” كما لقبّت لقتالها المستعمر الفرنسي وبطولتها، نازك التي قاتلت مع يوسف العظمة في ميلسون وحاولت اسعافه حتى آخر لحظات حياته وشاركت بالثورة السورية متخفية بزي الرجال عام 1925، نازك مؤسسة الهلال الأحمر، وجمعية نور الفيحاء لمساعدة ضحايا الثورة العربية الكبرى، ومصدرة مجلة نور الفيحاء بهدف النهوض بالمرأة السورية عام 1920، ماذا ستقول إذا عرفت أننا نغني هذه الكلمات ونحفظها بعد نصف قرن على مغادرتها دنيانا.
هل ستندب سنوات نضالها الـ72 العبثية في سبيل وطن أكثر عدالة ومساواة وحريّة؟ أم أنها ستكتفي بمقولة “عوجا” وتعود إلى مثواها لاعنة تلك الصحفية زينة التي سمعت باسمها واستحضرت روحها لتذيقها سكرات الخيبة.
فارس ومحمد اسكندر هما جزء من “المسيرة الفنّية” التي تمسك يد العادات والتقاليد والقوانين التميزية بفرح لترتكب جرائم جديدة بحق النساء مرسّخة وقوفنا في المكان في أحسن الأحوال.
ألبوم أليسا الأخير “عبالي” الذي “كسّر الدنيا” بحسب ترتيب الأغاني والمبيعات يسوّق للفتاة العاشقة المستسلمة والتي تبدو جليّة في أغنية “عيشة والسلام” وهي تقول “مع نفسي بستحمل كتير وبسكت، عن تعبي وحيرتي عيني مغمضاها ولو الحياة وياّه بقيت مستصعباها مش حتبقى أصعب من إني أعيشها بعدو” وتتابع “في إيدي إيه غير إني استحمل وأداري مها يجرى”.
أغنية وحيدة تخرج من هذا السياق وهي “من غير مناسبة” والتي تشير فيها أليسا إلى العنف ضد المرأة وتقرر أن تأخذ موقف، وفيها “ماعدش ينفع أسامحه علي عملو في، لو يجي يتأسفلي ولا يبوس إيدي، بعد النهارضة ازاي أنا على نفسي ارضى أرجع لحد قدر يمّد إيديه علي”.
الفنانة المصرية جنّات جزء مهمّ من هذه المنافسة في ألبومها الأخير “حب امتلاك” يتجسد بشكل واضح في أغنية “خاطرو” وتقول فيها “من غير كلام قوام بعمل اللي بقولي عليه، عايشه برضاه وسيباله نفسي أمانه بإيديه ولو قلي إيه مابسأليش ليه مابقولش تلت التلاتة كام”.
أما أحدث إصدارات منافسة تنميط المرأة وإظهار الهيمنة الذكورية فكانت مع تامر حسني في أغنيته الأخيرة “يا أنا يا مافيش” وفيها يضيق الخناق على حبيبته بصفته “غيّور مجنون”، قائلا ” أنا اللي أقول فين وإيمتى وأنا اللي اختار، لو حد نداك اعمل مش سامع برضاك، أنا قلت كلامي ودا نظامي ومش باقي كلام، أنا مش مضمون أنا ممكن أقلب مجنون لو شفتك مع غيري يا ويلك”.
التهديد والوعيد وصل إلى التشكيك بـ”شرف” الحبيبة والسبّ ففي أغنية “نامت عليك الحيطة شلون تنامين” ينهال على حبيبته لأنها تأخرت على موعدهما المزمع الساعة قبل الساعة 2 ليلا فيقول “نامت عليك الحيطة شلون تنامين، أنا أستانك على الموعد للساعة اثنين، معاد اريدك ياولي ولولا تموتين، لا لا تحلفين المصحف مالك غفران، لولا يطلع بيديني لأشق حلقك”، ويتابع “الله ياخذ كل وحدة سوده مثلك، مو كل وحده نحسبها بين النسوان، وين البارحة سهرانة يا بنت الكلب، بشارع مساكن برزة ولا بالتل”.
لا أملك إلا الهتاف باسم دياب وتعيش أغنية “عو عو عو اللي يخاف من العفريت، يطلعلو، ينزلو، يقعدلو وعو عو عو”، تعيش تعيش تعيش!
إلى الصحفية الاولى في سورية عام 1870 مريانا المراش التي انتقدت تقاعس النساء، و زاهية بنت قسطنطين أول صديلانية وعالم جراثيم سورية تخرجت من جامعة هارفرد عام 1917، وماري عجمي التي عملت مراسلة لأكثر من 60 صحيفة خلال تسعينات القرن التاسع عشر وفازت بجائزتين من الإذاعة البريطانية في المباراة الشعرية لعامي 1946 و1947…
هذه رسالة اعتذار خطّية مني، رحمكم التراب، فالموت في وطن “التقدم خلفا” أسمى حالات التطور والرحمة
زينة ارحيم ..
كنت عمإبحث عن زاهية بنت قسطنطين وطلع هالمقال بغوغل… رائع…
تحياتي