عندما أصبحنا ثلاثة
الحب هو أن يهمس في أذنك “أحبك” وقد تسلّقتِ حتى ذورة التعب بعد ثلاثة أشهر متواصلة من السهر ومحادثات الصراخ لمحاولة فهم ما يريد الكائن الجديد الذي هاجم حياتكما من كل المحاور وسقطتما لحكمه المطلق راضين.
الحب هو أن يرتدي روحه درعاً ويزحف لأقرب مدرّعة يخرج بها من أول حصار لمدينته تحت وابل صواريخ النظام التي قتلت أكثر من عشرين عاشقاً آخر للحرية في اليوم التالي ليصل إليكما ذات أمل.
الحب هو أن يبكي لنصف ساعة وجسمه الذي هزل يرتعش وهو يشّم رائحتكما بعد غياب قسري أبعده لأكثر من شهر كامل كان يعمل فيه ٢١ ساعة في اليوم ويعيش على وجبة واحدة يأكلها قبل النوم لكن التعب لم يكن إلا لبُعدكما ويأس المقهروين حوله.
الحب هو أن يحضر لكما الهدايا وأشياء ذكرتما على عجل الرغبة فيها عند عودته من مشوار قصير للتسوق.
الحب هو أن يقبل يدك واليد الصغرى مساء كل يوم حامداً الله على نعمتكما رغم كل النقم.
الحب هو صوته المبحوح في النقطة صفر وهو يتجمّد تحت الثلح المنهمر منتظراً بقية المُهجرين قسراً من مدينته وهو يغني “ويلز ان ذا بس” أمام شاشته الصغيرة ليشاهد حركة الكائن المُصغّر على الطرف الآخر من الحدود تدير يديها المكوّرتين وتتخبطان ببعضمها لقصرهما وإعاقة تقدّم البطن المكتنز لهما فيضحك ويبكي حزناً وفرحاً.
الحب هو أن تفتح ذراعيها وتركض لاستقباله بعد أقل غياب وأطوله مع الحرص على تأدية رقصة الترحيب وذاك الحضن الطويل الذي يرافقه تربيتة الكتف تقول له: لم تختطف كما آخرين إذاً في حرب الأمراء على بقايا البلد..عدت لأجلي بابابابا…ويجيبها أنتما حبلي السرّي مع هذه الحياة الظالمة.
الحب أن ينام ونصفه معلقاً بين الهواء والسرير ليترك لك مسافة للتمدد ولها حرية النوم عرضاً وقدميها عليه كما تفضل.
الحب هو أن تركل عينه بكعب رجلها ليلاً لتحمّر وتزّرق فيستيقظ بهدوء لئلا يقلق نومتها يضع يديه على عينيه ليتأكد ألا نزيف خارجي٫ ثم يقبّلها ويحضنها قبل أن يعود للنوم.
الحب هو أن يأخد عنك الكائن الصغير ويذهبان معاً لتمارسي رياضة الكسل والتصفّن في الحائط أو على الأقل التوقف عن الركض التي افتقدتيها منذ عام كامل.
الحب هو أن يستلقي قرب الصغيرة النائمة ليلاً ليعيد لها النعاس عندما تتقلب ويتركانك وحيدة لتسمعي أخيرا بعضاً من الموسيقى التي نسيتي في ضجيج “السوبر سيمبل سونغز”.
الحب هو أن يؤدي كل ما تفرضه كتّيبات عاداتنا الأمومية عليكِ وحدك وبينما تلعب الكائن الصغير بين رجليه في المطبخ يعّد لك شوربة عدس مالحة عندما تمرضين٫يجهّزها على المائدة مع الخبز الميبّس لتصحّي بينما يغيّر حفاضها مرة أخرى.
الحب هو أن يقبّلَها ويضحك عندما ترسم خرائط بيضاء على كتفه أو بنيّة مائلة للصفار على بنطاله٫ ينظفها هي أولاً لترتاح ثم يلتفت لمخلفاتها عليه كآخر همّه بابتسامة عريضة.
الحب هو أن يجتاز إمارات ودول وحواجز قلقة من ادلب لتركيا في عطلة نهاية الأسبوع ليمضي ما يتبقى منها بعد المسافات معكما.
الحب هو أن تكون ابتسامتكما على رأس قائمة مهامه اليومية٫ يحبها كحبه مساعدة المنكوبين والمحتاجين والحزانى٫ لكن لا منافس لكما ولا أهم من وقتكم معاً على الإطلاق.
الحب هو ألا ينهار بعد أن خسر مجدداً وطنه في حلب الشرقية بعد الغربية ورفاق دربه وحياته السابقة وأحلامه الوردية بالحرية والوطن العادل لأنكما موجودتان.
الحب هو الأشقر أبو الدنوب وزارا..
المادة مكتوبة في آذار كجزء ثاني من “الحب في حربنا هو..” وتم نشرها اليوم لضرورات عيد ميلادية 🙂