“سوريا، على هيئة ميزان ترجَح كفّته لقلب حبّ صغير مقابل صاروخ ثقيل يجثم على كفّته الأخرى”، كان هذا آخر كاريكاتير رسمه الفنان السوريّ علي فرزات قبل أن تُهشّم أصابعه في الرابع والعشرين من شهر آب (أغسطس) الماضي.
تلك الحادثة حرمت الثورة السوريّة مما يعتبره الثائرون “وثائق مصوّرة تؤرّخ للثورتهم السوريّة يوماً بيوم” بريشة فرزات.
حوّل الاعتداء فرزات إلى أيقونة الثوّرة الفنيّة وإلى “صحفّي شجاع تفضح رسومه ممارسات نظام ميئوس منه وتشجع السوريين على المطالبة بحقوقهم والتعبير بحرية”، كما قال قال جان فرانسوا جوليار، الامين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود والتي منحته مع صحيفة لوموند جائزة حرية الصحافة للعام 2011.
للفنانين التشكليين أيضاً كلمتهم في الثورة السوريّة، عبّروا عنها على موقع الفييس بوك عبر صفحة “الفن والحريّة” والتي انطلقت في شهر حزيران (يونيو) لتنشر عملاً فنيّاً كل يوم موقعّاً بالاسم الصريح لصاحبها “لأن ذلك بحدّ ذاته فعل تضامني يحتاجه المواطن والمتظاهر والمعتقل وكل الضحايا” كما تقول إدارة الصفحة.
ويُعرّف المشروع عن نفسه بأنه “صفحة مفتوحة لكل الفنانين السوريين والعرب، للتضامن مع الشعب السوري، مع الحرية، ضد العنف. وكل أشكال التعبير التشكيلية المعروفة مرحب بها مثلها مثل وسائط التعبير الفنية الجديدة”.
وعرضت “الغاليري الافتراضية” إلى الآن أكثر من 180 عملاً يتنوّع بين الرسم و التصوير الضوئي والـ “غرافيتي” إلى النحت.
الفنان يوسف عبدلكي كان صاحب اللوحة الأولى في صفحة “الفن والحرية”، والتي رسمت ملامح “شهيد درعا”.
وعن هذا المعرض قال عبدلكي في لقاء سابق “في الأوضاع السياسية الراهنة لا يمكن للرسامين أن يبقوا جانبا، الأحداث تسبق هذه الشجاعة الخجولة (للفنانين). فهناك في الشارع من يقدم تضحيات كبيرة”.
ومايزال الشهداء ملهمي مقتنيات هذه الغاليري حيث نشرت مؤخراً اعمال “غرافيتي” للفنان عزه أبو ربعية يوثق فيها حكايات شهداء النضال السلمي، فيصل عدي وهو صاحب فكرة العلم البشري في حماه، غياث مطر، صاحب فكرة قوارير الماء والورد في ريف دمشق و مروان عروب صاحب فكرة سلاح “بوري الصوبا” في حمص.
الحريّة..بالصوت والصورة
وبالتزامن مع الصور الثابتة لفنون الثورة، عُرض مسلسل “حريّة وبس” محاكياً أولى هتافات السوريين، على قناة على اليوتيوب ليكون أول مسلس سوريّ يُمثّل للإنترنت.
تعرّف صفحة المسلسل على الفييس بوك عنه بأنه “بسيط ينقد الوضع المأساوي للشعب السوري بنظرة كوميدية”، أما شخصياته فهي شابان وطاولة مع كأسي شاي بنكهة سوريّة.
المسلسل من إنتاج حملة “معكم” للتضامن مع الشعب السوري والتي شكلها مغتربون سوريون وقد عُرض في ثلاثين حلقة خلال شهر رمضان، بدأت بـ”حزمة إصلاحات” و انتهت بأغنية “حرية وبس” للمتظاهر الشهيد مُزاحمةً الدراما السوريّة التي تجاهلت مايجري في سوريا.
مسلسلٌ من نوع مختلف وعلى اليوتيوب أيضاً ظهر مؤخراً باسم “مصاصة مّتة ” والذي يستخدم تقنية الدّمى المتحركة للتعليق على الأحداث السورية من خلال حلقات مصورة تعالج بشكل كوميدي “الكذب الإعلامي و السياسي الذي يمارسه النظام السوري لتضليل الرأي العام” كمايقول معدّوه.
بدأ المسلسل بحلقة “الشبيح الأول- يوميات ديكتاتور” ثم “كوابيس بيشو”، ليصل إلى “من سيقتل المليون”، و “الإعلام العاهر” وتُنشر حلقاته الأسبوعية كل أحد كما تصدر نسخة مترجمة للإنكليزية أيضاً.
أما أدوار البطولة في المسلسل فهي ل”بيشو”، ” بنت الشام”، “ابن الحريّة”، إضافة لضيف الشرف “شبيّح”.
مسلسلات الثورة ليست وحدها من دخل فنون الثورة عبر اليوتيوب، فقد أعد نشطاء برامج تلفزيونية قُدّمت بصبغة احترافية ابرزها “عنزة ولو طارت” وهو برنامج ساخر تقدمّه مذيعة ترتدي قناعاً ملوّنا وتتحدث بلهجة سوريّة رشيقة و تحاور فيه شخصيات اعتبارية من خلال تقطيع خطابات ولقاءات أجريت معهم قبلاً.
وتمول البرنامج كلٌ من من “الولايات المتحدة الأمريكية، إمارات سلفية عدّة، الأخوان المسلمون، بندر بن سلطان، أشرار لبنان، إسرائل والقاعدة” كما تشير شارة الختام.
لحن الثورة
افتتحت أغنية الفنان السوري سميح شقير “ياحيف” مهرجان الأغاني الثورية الذي أصبح يزهر غناءً جماعياً يؤديه المتظاهرون يومياً في أنحاء سوريّا.
أضاف أهالي حمص لهذا الغناء رقصاً تعبيرياً بدأ مع أغنية “سكابا يا دموع العين، على شهداء سوريا وشبابا” وفيها ت تتراصّ أجساد المتظاهرين في وحدّة تتمايل بتناسق موج بحريّ.
رقصة تعبيرية أخرى ابتكرها الحماصنة لأغنية “بشار فقد شرعيته” تحاكي رقصة زوربا بطل رواية نيكوس كازانتزاكيس. على لحن المقدّمة تقفز الأجساد برشاقة مع تلويحٍ أفقيّ للأيادي التي ماتلبث أن تلتحم بكتف الثائر المجاور لتعود للتمايل من جديد.
الأغاني الثوريّة في المظاهرات بدأت قي حمص مع حارس فريق كرة القدم “الكرامة” عبد الباسط الساروت بأغنية “ياوطنا وياغالي، الشعب بدو حريّة”، في الشهر الأول من الثورة ليستلم من بعد الراية القاشوش في حماه بأغنية “يالله ارحل يابشار” و “سوريا بدها حريّة”.
امتداد الثورة السورية واستمرارها حوّل اغلب المظاهرات من هتافات إلى مهرجانات فنّية وغنائية صبغتها كل مدينة وبلدة بتراثها الشعبي فغنّى متظاهر في مدينة الضمير “علهودلاك” وغنّى الشهيد في إدلب “مواويل الهوى”.
في الوقت نفسه عمل فنانون كيحيى حوّى على إصدار مجموعة من الأغاني المعبّرة عن الثورة والداعمة لها ك “طالع علموت”، و”مامنحبك”، فيما أنتج وصفي المعصراني مايزيد عن عشرين أغنية تحوّل أغلبها لمعدّات أساسية في التظاهرات اليوميّة.
الفرق الموسيقي لم تغب عن المشهد بدورها، فقد وُلدت فرق عديدة مع الثورة كفرقة “أبطال موسكو الأقوياء” والتي قرأت سيكولوجيا مؤيدي النظام في أغنيتها “بدنا نعبّي”، فرقة المندسين الغنائية من جهتها أصدرت أربع أغنيات أشهرها “قالوا عنا مندسيّن”، فيما غنّت فرقة “الدب السوري” “يُمل” على الطريقة الرحبانية.
حقوق الفكر، سوريّة
مع الفنون التقليدية، خرج السوريون خلال الثورة بوسائل نضال سلمية حققت، إضافة لإقلاق الجهات الأمنية، قفزة فنيّة ستوثق في مآثر هذه مرحلة.
فقط في سوريا هناك مظاهرات صامتة ومظاهرات أموات خرجت من كفرنبل، مظاهرات نهرية في دير الزور وبحريّة في اللاذقية، مظاهرات دراجّات نارية في ريف إدلب واعتصامات نسائية داخل المنازل في دمشق، ومظاهرات “طيّارة” (المظاهرات القصيرة التي تتفرق قبل وصول الأم) بكل أتحاء سوريا.
تلوين ساحات العاصمة بلون شوارع مدنها المدامية، وتطيير بوالين الحريّة، وتركيب مكبرات صوت تصدح بإسقاط النظام في المؤسسات الحكومية والأسواق والشوارع والجامعات.
دحرجة كرات الحريّة وعليها مطالب الشعب من المهاجرين لتصل للقصر الرئاسيّ، وغيرها من الإبداعات وطنيّة الصناعة.
عروض الحرية
في مجال المسرح، عرض الأخوان محمد وأحمد ملص مسرحية “الثورة غداً تؤجل إلى البارحة”، في غرفتهما بدمشق دون موافقات أمنية ودون الاستعانة بمديرية المسارح، ثم قدّماه في كل من لبنان وموسكو والسجن بعد اعتقالهما لمشاركتهما بما عُرف بمظاهرة “المثقفين” في حي الميدان.
ويتمحور العمل حول العلاقة بين المتظاهر المعتقل وعنصر الأمن، وقد بدأ بوحي من فيديو الشاب أحمد البيّاسي والذي وقف أمام الكاميرا مع هويته لتكذيب الإعلام الرسمّي وإثبات أن حادثة “التعفيس” التي جرت في قريته “البيضا” ليست في العراق مع “البشمركة”.
المادة منشورة في صحيفة الحياة بتاريخ 25-12-2011
[slideshow]