وطن واحد.. شعب غاضب.. لغة عنيفة..

بحدحدك بالفليفلة” و “بحرقلك إيدك بالأوح”، “بنفّصلك عيونك”، “بضربك كف بعبيلك تمك دم”، و”بدقّك قتلة دق ودوس” هذا إذا لم “أدعوسك” و “أعفّسك” و”ألعن أمك على أبوك”، إن لم تلتزم بنصائح “اللي ضربك ضربه” ، “واللي قلعلك عين قلعلوا التنتين”…

مشهد داخلي في المدرسة_ حصة الرياضيات_التاريخ باللون الأحمر وحكمة اليوم “المعلم وردة والتلاميذ أوراقها”، على اللوح معادلات رياضية:

القوة تتناسب طردا مع شرعية الضرب، فالصفر إذا ضرب بأي رقم يبقى نفسه، أما إذا ضرب واحد بواحد ينتج واحد ثالث يشبه كلا من المتضاربين، ومن لم يحفظ جدول الضرب عليه أن يقضي حياته سعيا بجمع الأرقام وعدّ (عضّ) الأصابع”.

في المقعد الأخير (مقعد الكسالى) يجلس طالبان، “ولي هلأ حصة الأستاذ علي الـ….هاد بيضرب عشر عصايات على كل يد” ، “لأ وإنت الصادق هداك الأستاذ محمد الـ…، الأستاذ علي بيضرب بالخرطوم”، “إي شو إنت مستسهلها؟، يا زلمي ضربة خرطوم وحدة أد مية عصاية”، وينقطع الحديث “أخ اسمي قال اسمي أكلتا مشان حضرتك والله بالفرصة لإحسب الله ما خلقك”.

مشهد خارجي_ الفرصة، حلبات مصارعة متناثرة هنا وهناك، بجمهور أزرق مشجّع وحماسي، بلا حكّام، والجوائز ضربات إضافية عند وصول الشكوى إلى المدير أو إلى الأهل “لك أنا مو فهّمتك ماتضرب رفقاتك بالمدرسة! طاخ كف، الضرب للحمير يا حمار، طاخ كف تاني…”، فالعقوبة من جنس الفعل و البادئ أظلم والعصا من الجنة.

بمقاهي الإنترنت تعلو الأصوات على طفولة اللاعبين طالبة القتل والتفجير “موّته ، خلصت ذخيرتي، استخدم السكين، اقطعله راسه على السريع رح يهرب، فجّر المخزن، انسوف السيارة…”.

في المنزل الأم تضرب الابن “لأنه شيطان، ومأذي، و لم يحفظ الدرس، ولا يفهم الكلام..”، والأب بعد أن يُعنَّف بعمله، يعنِّف المرأة “لأن ابنه عامل تحته، أو لأنه رسب أو أصيب بجرح أو شاغب، ولأنها لم تعتني بنفسها أو به شخصيا، إضافة لأنها لم تطبخ، لم تنظف، لم تقبل يد أبيه….”.

والضغوط تعنف الكل، والأسعار تضرب الجميع، لكن تلك ليست مشكلة فـ”هالخد معلم على اللطم”، ومنذ الحضانة الأولى تعلّمنا أن علينا أن “نعطي خدنا اليسار إذا ضربنا (الأقوى مننا) على خدنا اليمين”.

مشهد خارجي في الشارع_ بين السرافيس والتكاسي والمارّة الانتحارييين “اللي بدوبلك ابن…بيستاهل رقّ بالصرامي”، و “اللي بيتجاوزك أخو شحطة”، و”اللي بيشحّط فرين مشان مايدعس ولد عمنط على الأتوستراد، بكون من الحمارة للسيارة”…

وعلى الرصيف، ثلاثة شباب أعرض بناطيلهم دخل باستخدام السكجة، الحواجب منسّقة والشعر غارق في الجيل، والعلكة علامة جمع “امبارح شو ضربتلك واحد، ماعاد يعرف الضرب من وين يجيه، زرّقته ورجع بكيان على البيت”، “برافو عليك يا سوسو هيك بدي ياك رجّال”.

والسجن يصنع الرجال، والعنف علامة فارقة على مقياس الرجولة الشرقية، ومن يعلّي صوته أكثر يقول الكلمة الفصل الحقّة، وكلما عَلا أو كبر أو ازداد ثمن الكرسي، يعلو من عليه وترتفع صلاحياته الضربية.

فللمدير حق مكتسب من توصيفه الإداري بأن يضرب الموظف “كلامياً، مالياً، وظيفيا”، ويحق لربة المنزل ضرب خادمتها بعقد ملكيتها، ويحق لصاحب المصنع أن يعنف عماله، ويحق لأصغر مدير ناحية أن يعنف الجميع.

المشهد الأخير من داخل داخلي، تتربعه لوحة كتب فيها “اغضبوا وتعنّفوا وعنّفوا، ثوروا واضربوا كل عين بعين، حتى نصبح كلنا عميان، واقعلوا كل سن بسن حتى نعجز جمعيا عن الأكل والكلام… لنرى بعدها كيف يصبح لنا في القصاص حياة!”.

زينة ارحيم …زاوية العقل زينة

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.