“لا أريدك أن تركّزي المادة على كوني شيعياً يقاتل مع الجيش الحر” طلب محمد حمدون الخجول الذي يهرب من العدسات وطلبات اللقاءات القليلة التي يتلقّاها من الصحفيين٫ فمنذ “انشقاقه” عن قريته المؤيدة للنظام “الفوعة” لم يجر محمد إلا لقاءً واحداً مع عبيدة بطل الذي خطفته داعش لاحقاً.
والفوعة هي قرية صغيرة تمتد على مساحة ٣٢٠٠ هكتار شمال شرقي مدينة ادلب ويقدر عدد سكانها بثلاثين ألف ينتمي أغلبهم للمذهب الشيعي وقد اتخذّت موقفاً مؤيداً للنظام منذ بداية الثورة قبل أن يُسلِّح فيها مليشيات ليعملوا كشبيحة لصالحه وتسوء علاقاتها مع جيرانها لتتحول من عشرة وديّة لخطف متبادل ثم قتل على الهوية وقصف عن بعد.
خرج محمد مع أفراد من عائلته من الفوعة في الأول من شهر تموزيوليو عام ٢٠١٢ تحت حماية ثوار بنش٫ الجارة اللدودة للفوعة.
وعائلة محمد من العائلات المعدودة المعارضة للنظام والتي قررت ترك القرية٫ إضافة لعائلة عمتّه وعائلة الرقيب عماد الذي انشق عن جيش الأسد.
“تعرفت على أصدقائي البنشية في المظاهرات السلمية التي كنت أهرب من قريتي لأشارك فيها٫ لا أعرف ما الذي دفعهم ليأمنوا لي لكن الأمور مشت بسلاسلة جداً” يقول محمد٫ مضيفاً “كنا عشرين شخصاً أمّنوا لنا وحمونا وساعدوا من أراد الخروج من سوريا”.
في اليوم الذي انشق فيه محمد عن قريته انشقّت عائلته الصغيرة إلى نصفين٫ فابنه الأصغر – جعفر- بقي مع زوجته التي تعتبره “خائناً” قبض ملايين الدولات ليبيع نظامه٫ فيما خرج معه ابن الأكبر جمال ليعيش مع جدّيه في تركيا.
في عائلة محمد الآن ابن بكر معارض للنظام يلبس جعبة عسكرية ويهتف للجيش الحر وابن أصغر يلبس جعبة ملفوفة بعلم النظام ويهتف “الله محيي الجيش”.
“لم أر جعفر منذ أكثر من سنة ونصف” يقول محمد مدارياً دمعةً غلبته.. “اتصلت بي أمه مرّة بعد سنة كاملة من خروجي من الفوعة وطلبت منّي أن أسلم نفسي للسلطات وأعود ووعدتني أن أحداً لن يتعرّض لي٫ فأجبتها بأنني عائد لكن لا كمستسلم إنما مع الثوار لتحرير الفوعة من الشبيحة٫ فقالت لي إذاً لن تر الفوعة بحياتك”…”لم نتحدّث بعدها إلى أن غلبني الشوق لجعفر العام الماضي فاتصلت وأجابت والدتها٫ سألتها أين بتول فأغلقت بوجهي الخط”٫ يقول محمد.
وفي آخر هاتف بينهما أعطت زوجته الهاتف لجعفر فقال لوالده “تعال لعندي٫ بدي روح معك على الموتور وما تنسى تجبلي معك لعب”. بلغ عمر من العمر ثلاث سنوات ونصف٫ لم يعش مع والده منها إلا سنة.
الانشقاق عن الفوعة..
“اضطررنا للخروج بشكل سريع من الفوعة لأن صهري الرائد مازن الفواز كان يريد الإنشقاق عن الجيش٫ وكنت أساساً أنا ووالدي مطلوبان للأمن العسكري والشبيحة توّعدوا بتسليمنا “ يقول محمد.
وصهره الرائد مازن هو أول ضابط شيعي ينشق عن الجيش ويقاتل في صفوف الجيش الحر٫ حيث انضمّ عندها للواء شهداء إدلب واستشهد أثناء المحاربة معهم لتحرير حارم في الأول من أيلولسبتمبر عام ٢٠١٢ تاركاً زوجته مع ابنتيَن.
أما عن كيفية تهريب ابنه جمال معهم خارج الفوعة فيروي محمد “كنا نرتّب حقائبنا للسفر جاء بالصدفة أخو زوجتي ومعه جمال لأنه كان يبكي يريد جدّته دون أي تخطيط مسبق جاء ابني برجليه٫ حتى أن والدي ووالدتي في تلك الساعة تحديداً كانا يصبّراني بأن أولادي صبية وسيعيشون بخير محاولين منعي من القيام بفعل قد يتسبب بكشف سفرنا”.
يسأل جمال عن أمه وأخيه ويشعر والده بشوقه لهما وهو دائم السؤال عن ” إيمت رح نخلص من بشار ونرجع لشوفن؟”.
قطع محمد كما عائلته علاقاتهم تماماً مع من بقي في الفوعة بعد خروجهم٫ إما لاختلاف مواقفهم أو خوفاً عليهم٫ “ أتّصل بخالي لأطمئن أنهم مازالوا على قيد الحياة كل فترة ولا أستطيع السؤال عن عائلة أبي لأن عمّي يخاف من اتصالي٫ وأمي لا تكلّم أيّ من أقربائنا هناك٫ نعيش بعزلة تامّة عن ماضينا” يقول محمد معدّداً من يعمل من أقربائه ضمن صفوف الشبيحة:
“ابن عمي بفرع الجوية بدمشق٫ وابن عمي الثاني في حلب٫ وأولاد خالي مسلحّين أيضاً أما بقيّة أقربائي فهم مؤيدون للنظام لكن ليسوا شبيحة”.
والانضمام للجيش الحر
تسلّح محمد في الشهر العاشر عام ٢٠١٢ قبل ذلك كان يعمل مع الثوار كمتطوع للمساعدة في الإطعام ونقل المساعدات والذخيرة في حارم.
وكان محمد مصدر ثقة بالنسبة للثوار حيث أرسلوا بطلبه عندما غنموا دبّابتين من الجيش واحتاجوا إلى من يصلحهما٫ وكان قريبه الرقيب عماد المنشق عن الجيش قد اكتسب شهرة بأنه “الفوعاني مصلح الدبابات”٫
بعد معركة حارم تسلّح محمد وانضم لكتائب شهداء بنش وعن تلك التجربة يقول محمد “كان لي مكانة خاصّة عند أصدقائي لأنني المقاتل الفوعاني الوحيد في صفوفهم٫ هم لا يسمحون لي بالتقدّم نحو الخط الأول في الجهبات خوفاً من أن استشهد أو أصاب٫ كنت سعيداً بينهم ولم أشعر بالاختلاف عن أي منهم إلا بمقدار الحب والرعاية التي كانوا يولوها لي٫ معهم قويت شخصيتي ولم أخف أبداً٫ بدأت أتحرك في المناطق المحررة لوحدي وأنقل مساعدات وذخيرة دون رفقة أحد”.
في تلك الفترة عاش عاش محمد كفردٍ من عائلة أبو رضوان وفي منزلة في بنش لعدّة شهور.
أبو رضوان يقول إن “أهالي الفوعة غدّارين والشيعة يتقرّبون لله بقتل السنّة” وعندما أسأله وماذا عن محمد حمدون؟ يعبس ويرجع ظهره الحاني نحو الخلف مستنكراً “لأ هدول غير! هدول من عضام الرقبة وبأمنّهم على الروح”.
المكان الأكثر أماناً بالنسبة لمحمد هو بنش ففيه كما يقول “يتحرك بحريته الكاملة فالكل يعرفه” ورغم وجود العديد من المجاهدين المهاجرين فيها إلا أنها مازالت ملاذه الأأمن.
ورغم كل ما جرى بين البلدتين من أعمال خطف وقتل وتقطيع للمخطوفين وتشويه لجثثهم٫ إلا أن محمد مايزال مؤمناً حتى الآن أن “أرحم شخص على ابن الفوعة هو ابن بنش الذي جاوره وعاش معه لسنوات”.
لذا لا يخشَ محمد على أبناء قريته من المدنيين من التحرير ولديه ثقة بأن الثوار لا يمكن أن يقتلوا المدنيين بشكل ممنهج٫ “رابطت مع كتيبتي على حدود الفوعة وأجرينا بحث واستطلاع وكنا على وشك تحريرها٫ وفي ذلك الوقت كان القرار من القيادة المشتركة للجيش الحر أننا نريد حماية الأهالي من المدنيين ولن نقترب منهم أبدا أما الشبيحة والمسلحين وعناصر الجيش هناك فسيقتلون بعد محاكمتهم” يقول محمد.
أسأله مرة أخرى٫ أليس لديك أي خوف على أهالي القرية الشيعية من التحرير؟ يجيب “لا٫ أشعر بالأمان بشكل كامل على المدنيين٫ أعرف أن تصرفاتٍ فرديّةً ستحدث بالتأكيد وخاصة ممن خسر شهداءً على يد شبيحة الفوعة٫ لكنني لا أخاف من قتل الكتائب الإسلامية للأبرياء٫ المشكلة هي أن أكثر من ٩٠٪ من شباب الفوعة مسلحّين من عمر السادسة عشر وحتى الخامسة والستين٫ واذا أردت أن أعدّ الشبان غير المسلحين والذين بقيوا في الفوعة لا يمكن أن يتجاوز عددهم المئة فقط”.
ويتابع محمد “هم أحضروا هذا لنفسهم٫ القتال عندهم الآن أصبح عقيدة ليس لأجل النظام نحن خوارج ويقاتلوننا ليمحوا الوهابية من الأرض وهم إن أمسكوا أي شخص منّا سيقتلوه..أقربائي لم يعد يعنون لي أي شيئ٫ من قنص طفل عمره ثمانية أعوام وهو خارج من منزله الواقع في المنطقة العازلة بين بنش والفوعة في عينه٫ إذا تم أسره أنا بنفسي سأقتله ولو كان ابن عمي” يستدرك ” وبكل الأحوال في ذلك الوقت لم يكن الاحتقان عميقاً كما هو اليوم”.
والاحتقان برأي محمد ازداد بشكل كبير بعد أن بدأ الإيرانيين وعناصر من حزب الله بالدخول إلى الفوعة٫ مؤكداً أن باصاً مُحمّلاً بخمسة وأربعين مقاتلاً من حزب الله اللبناني وصل للقرية بفي تلك الفترة بحسب مصادره.
شارك محمد بأربعة معارك في حماه وحمص وحي الراشدين في حلب إضافة لإدلب كمقاتل في هيئة حماية المدنيين٫ وكان ضمن خمسين مقاتلاً بنشياً في كتيبة “الأمجاد”٫ يعرف كل أفراد كتيبته أنه فوعاني لكن خارجها يعتقد الجميع أنه بنشي ويتكتّم هو وأصدقاؤه عن التعريف به.
حكايات من معاركهم ومعاركه
-“ رابطت مرّة بحاجز مشترك مع جبهة النصرة يوم معركة مطار تفتناز٫ ومع النصرة لم أكن أفتح موضوع من أنا٫ ونبّهت الشباب ألا يعرّفوا بي أيضاً٫ كنت بنشياً وفقط. ليس لدي مايكفي من طاقة لأشرح لكل شخص كامل القصة وأعرف أنه سيصدم وربما سيقوم بردّة فعل.
فكنت أتعامل مع الشخص ويعرفني ويراني بين شباب الكتيبة ثم بعد أيام يمكن أن أخبره أني فوعاني”.
-“المعركة الوحيدة التي شاركت فيها وكان معي مقاتلين من أقليات دينية٫ كانت قادمون في حماه حيث كان معنا مقاتلين من الطائفة الاسماعيلية من السلمية ولم يؤثر ذلك علي لا إيجابياً ولا سلباً”.
-“كنت قائد مجموعة في معركة حي الراشدين بحلب وكان يرابط معي مقاتلون من فصائل ثانية ويعتقدون أنني من بنش كما عناصر كتيبتي٫ وبعد ثلاثة أيام من المرابطة – وفي الرباط اليوم تعداده سنّة- كنا نتحدّث عن نبّل والزهراء والفوعة وكفريا٫ وقال صديق لي: ليس كل أهالي الفوعة سيئيين٫ بعضهم جيد وثائر وكان المقاتلون مندهشون من حديثه هذا ولم يصدقوا٫ فالتفت إلي صديقي وقال لهم هذا مثال على الجيدين منهم فقالوا لي: مو شكلك فوعاني”.
المقاتلون يومها فرحوا بمحمد لأنه أعطاهم أمراً جديداً ومثيراً يُحدّثون به ويروون عنه حكايات عنوانها.. “قاتلنا مع شاب فوعاني!”
-“ في الراشدين كنا نرابط من جهة داعش وكنت أتجنّب الإقتراب منهم إلا أن استشهد أعز أصدقائي قتيبة السلات بلغم قريب منهم فكان عليّ أن أذهب لعندهم بنفسي لأتعرّف على بارودته٫ لم أخف وذهبت لوسطهم وأخذتها”.
-“كنت في تلك المعركة بالخط الثاني من الاقتحام٫ طلبت أن أتقدّم للأول لكن صديقي الأعز الثاني رسلان السلات ترجّاني ألا أفعل وقال لي (بترجاك خليك هون قلبي مو متحمل تروح إنت كمان٫ مو مصدقين معنا واحد فوعاني وفرحانين فيك ما تموت بسرعة) وبهذه الكلمات ودّعني فقد استشهد بهذا الاقتحام٫ بعيد رحيل قتيبة وركان أصبح ظهري مكشوفاً وبدأت لأول مرة أخاف لكوني فوعانياً..لكنني لم أنسحب”.
– “عندما ذهبنا لأورم الكبرى لنأخذ رشاشّاً لمعركة حماة دخلنا إلى الدانا لنشتري بعض الحاجيات ومررنا أثناء خروجنا على حاجز داعش فلقّموا بواريدهم لأننا جيش حر وقام مجاهد تونسي بطلب تعزيزات ثم أخذنا إلى مقرّهم٫ وعندما وصلنا للمقرّ اجتمع علينا حوالي ١٥ شخصاً بعضهم كانوا يتكلّمون العربية وآخرون لا.. مجاهد ليبي استفزّنا كثيراً وكأنه عنصر مخابرات٫ هنا خاف من كان معي وشعرت برعبهم وارتباككهم فاستلمت الحديث بنفسي وتكلّمت بصوت عالٍ بمواجهة المجاهد الليبي الذي ألحّ بطلب هويتي٫ قلت له أنني من بنش ولم يعرف أين تقع بنش فطلبت أن يأتيني بشخص سوري لأتفاهم معه٫ ورغم أنني كنت أتحدث بقوة إلا أن خوف من معي أثار الرعب بقلبي. كان رعبهم من أن يعرف عناصر الدولة أنني فوعاني ويذبحونا جميعاً يسيطر عليهم بالكامل”.
– “عندما يصّر عناصر بعض الحواجز على رؤية هويتي أعطيهم جواز سفري٫ وفيه كُتب توّلدي دمشق- السيدة زينب٫ يسألونني عن الموضوع فأصرخ بوجههم ليش الست زينب بس للروافض”..
“شيعي..رافضي”
يقول محمد إن وصفه لنفسه وطائفته “بالروافض” لا يزعجه٫ وأكثر ما يؤلمه بكل هذه التجربة التي يخوض هو استشهاد أصدقائه.
فالحاجز بالنسبة له محطّة عليه اجتيازها لتحقيق هدفه ولو اضطّر لقول شيئ مزعج يحبّون سماعه.
محمد يعتبر نفسه “مسلم ملتزم وفقط” والطوائف الدينية باعتباره “سياسية أكثر منها تدّين”٫ لكن هذا الأمر لا ينطبق على الكثير ممن يقاتل حمدون في صفوفهم.
أمير أحرار الشام في بنش فقد أعصابه وصار يرجف من الغصب وهو يصرخ “أنتم الشيعة…أنتم الشيعة…”عندما عرف أن من يجلس في بيته من الفوعة٫ وذلك عندما ذهب محمد لزيارته مع صديق لمناقشته بقضية إخراج عائلة شخص معارض للنظام من الفوعة.
هنا قام صديق محمد بإخبار الأمير أن محمد معارض للنظام منذ البداية فرّد الأمير “من بين ٣٠ ألف شخص بالفوعة لم يخرج إلا ١٥ بني آدم جيد فبلاهم ولسنا بحاجتهم”.
هنا تدّخل أخو الأمير وأخبره أن محمد وأباه كانوا يخرجون معهم بالمظاهرات وقد شاركوهم بنشاطات مدنية عدّة في بداية الثورة وعندها فقط هدأ الأمير.
“أكسر الكثير من الحواجز بيني وبين قادّة من الدولة والجبهة والأحرار عندما أقول أنا مسلم٫ ولست شيعيّاً٫ وندخل بعدها بنقاشات أصل الطوائف ووجودها لكن مجرد ذكر جملة أنا لست شيعي يخفف التوتر ويفتح باباً للنقاش” يقول محمد.
لكن تحول أمير الأحرار لصديقه بعد هذه الحادثة لم ينهِ مخاوف محمد٫ “من يمشي معي كان يغامر بنفسه وأشعر بتوتّره وخاصة عندما نخرج من بنش٫ وهذا شيئ لم أكن أشعر به مع قتيبة وركان٫ دون أن يتكلم من يرافقني كنت أشعر أنني أصبحت عبئاً عليهم وصرت أتحاشى الخروج من بنش وخاصة بعد أن بدأت داعش بالانتشار” يقول محمد.
داعش حوّلت محمد لقنبلة موقوتة قد تتسبب بمقتل من يقترب منها دون محاكمة٫ وكفّرت من يصادقه ويصاحبه واعتبرته مرتّداً لا يقبل إسلامه حتى لو كان مسلحّاً٫ وعندما حاول أحد أصدقائه أن يدافع عنه جاءت التهديدات صريحة “سنذبحكم معه”.
شهيد أو لا شهيد
“لا مشكلة لدّي من ألا يعتبروني شهيداً عندما أموت ولا أخاف من الموت” يقول محمد٫ مستذكراً حادثة صلاة الغائب على جثمان صهره الشهيد مازن الذي استشهد في معركة إلا أن ذلك لم يكن كافياً ليعتبره البعض شهيداً لأنه شيعي.
أذاعت جوامع بنّش في ذلك اليوم أن صلاة الغائب ستقام على روح مازن الفوّاز في الجامع الكبير٫ وبعد صلاة المغرب نادى الإمام لإقامة الصلاة وإذ بمجاهدي النصرة والعديد من مجاهدي الأحرار ينسحبون من الصلاة لأن مازن برأيهم ليس شهيداً٫ نصف من كان بالجامع فقط بقي ليصلّي على روح الشهيد المقاتل.
“قال لي أحدهم مرة إذا صرت سنياً واستشهدت قد يتقبلّك الله بين الشهداء٬ لكن إذا بقيت شيعياً ستذهب من كيسك” يروي محمد٫ يبتسم بضيق “و شو رح يفرق معي بعد ما موت؟ أهلي مقتنعين أننا خرجنا لوجه الله ولتحرير سوريا من النظام ولا يكترثون للأقاويل”.
أهل محمد الذين قدّموا شهيداً مقاتلاً ومقاتلاً آخر لم يكفِ ذلك لينالوا شهادة ثورية تؤهلهم للحصول على المساعدات التي تقدّم للعائلات اللاجئة٫ حتى أن زوجة الشهيد مازن طُردت من عملها كمُدرّسة في مدرسة السلام للسوريين في مدينة الريحانية التركية لأنها من الفوعة! وهي التي تعيل ابنتي الشهيد اليتيمتين.
كل ذلك لم يدخل الندم لقلب محمد لمشاركته بالثورة والتضحية بعائلته وحياته٫ يقول محمد “رغم الخسارات لا أندم أبداً على مشاركتي بالثورة وألا أفكر أساساً بهذا المنطق٫ عندي هدف كبير وهو إنهاء الظلم والقهر٫ ربما سأبقى مظلوماً كشخص بعد انتصار الثورة لكنني لم أخرج لنفسي٫ خرجت لأجل بلدي وناسي٫ وأنا ألوم أهل قريتي ولا ألوم الثورة على ماوصلنا إليه اليوم٫ هم وضعوا أنفسهم ووضعوني بهذا الموقف وليست الثورة”.
*لم أرفق صورة محمد بالمقالة حرصاً على سلامته.