(في 17 نيسان 2006 فجر استشهادي سوري نفسه في قاعدة أمريكية في العراق، وقد أودى التفجير بحياة 40 أمريكيا)….خبر عاجل وقصير مر على شريط إخباري لا يعرف التعب،
وفلم قصير يشرح ” غزوة الكبيسي” ومنفذها و تخطيطها و يعرض وصيته و وداع أصدقائه ، كلمات مفهومة و شريط مؤثر يخبئ خلفه حياة.
طرقت سيريانيوز باب منزل “أبو بكر الشامي” أو كما أصبح لاحقا ” أبو الربيع المهاجر” أوكما كان قبلا “حكمت “منفذ “غزوة الكبيسي”وبابتسامة عريضة وتأهيل وترحيب استقبلتنا أمه وأخواته وبدأنا شعائر الزيارة ..
بداية بالصالون حيث تشرع الأم في قص الواحد وعشرين سنة من حياة أبو الربيع ثم الصور وأخيرا كمبيوتره الذي يجمع كل ماكتب عنه و شرائط تعرض عمليته و حتى أناشيد غناها بصوته و أشعاره و منتديات تتكلم عنه…..
دفتر حياة حكمت في العراق
تبدأ الأم قصتها بسيل مديح على أخلاقه الحميدة و طاعته لها وأمام أخوته تعيد وتكرر “كان ومايزال أغلى من كل أخوتهم وأحبهم إلى قلبي”، ثم تبدأ الأحداث بسقوط العراق حيث بدأ يذكر الجهاد قياما وقعودا و يقرأ أمه أحاديث وآيات الصبر ووجوب الجهاد “عند انتهاك بلاد المسلمين” .
وكمن يحمل رضيعا أحضرت أمه دفترا خط صفحاته في العراق،أسقط فيه أحلامه وكلمات لم يجد متسعا ليخبر والدته بها وخط أشعاره ووصاياه و كؤوس لجمع دموع أمه عند سماعها خبر استشهاده و عكازات تستند عليها حذر السقوط…”أمي عندي كلام كثير أقوله ولكن أرجو من الله أن أكون باستشهادي قد قلت كل ماعندي ولا أبالي”..فأنا
” لا أرتجي عيشا رغيا هانئا أو سلوة في ذي الديار الفانية
بل أرتجي عيشا بظل معارك للحق فيها صولة متفانية
حتى أنال شهادة في عزة وتضمد الحور الحسان جراحيه
رباه رباه الشهادة أرتجي فأجب بفضلك ياكريم دعائيه”
حكاية من الحرب
عاد حكمت من الفلوجة إلى سوريا بعد فترة، بيد مصابة و ” منظره يقول أنه خارج من جنهم”وروى أبو الربيع لوالدته “طريق المستحيل الذي قطعه والمعجزات التي مكنته من عبور الحدود “،حيث
اضطر إلى الإختباء في حمام صامد لبيت مهدم لثلاثة أيام متواصلة دون ماء أو شرب مع “أخويه في الجهاد” وعندما خرجوا من الحمام إلى مكان قريب يخبئ فيه الذخيرة شهدوا “جريمة لن تمسح من عيون حكمت ماحيي” ، حيث دخلت فرقة من “الحرس الوثني” كما يطلق عليها هو وأصدقاؤه إلى بيت عراقي فقير واتهموا الأب بالتستر على إرهابيين وعندما نفى ، قتلوا زوجته و أولاده الثلاثة و أبقوه حيا ليشهد، وبعد أنا غادروا استقبل الأب حكمت و أصدقاؤه و أخبرهم أنهم لابد عائدين ليهدوا المنزل فوق رأسه لكنه لن يهرب من بلاه آخر حياته وسيدفن مع أسرته ، ورغم أنه يستطيع أن يقبض أموالا كثيرة إذا سلمهم إلا أنه أخذهم إلى مختار عمورية الفلوجة حيث ارتدوا اللباس العراقي واتبعوا التوصيات بأن يتكلموا باللهجة العراقية.
“قالوا فتقتل قلت تلك شهادة ولها خرجت أريد خير جوار
قالوا فتجرح أو تصاب فقلت ذا يوم المعاد لدى إله فخاري
قالوا فدربك بالمكاره موحش فعلام تبغى اعيش في الأخطار
قلت المكاره وصف درب جناننا أما النعيم فوصف درب النار”
العودة إلى ” أرض الجهاد”
وبعد يومين من عودته اتصل ليعلمها أنه “في أرض الجهاد” وطلب دعواتها ولأنها كانت ذاهبة إلى العمرة وعندما ألحت عليه بتحديد رغبة أو طلب تدعوها له عند الكعبة قال لها ” ادعيلي ما أعلق بين إيدين الظلام الأمريكين ، والله ييسير طريقي”، وحلف لها باسم كل أخوانه ” المجاهدين” أنهم كانوا سيخرجون الأمريكان من العراق بستة أشهر لولا ” المنافقين” و”ضعاف النفوس الذين يخدمونها”.
” أماه سامحيني..أماه بربك اعذريني
ماكنت أنوي أن أغادر لولا أن ناداني ديني
ماكنت أحب أن أرى الدمع السخي وأنت تقبليني
فعزمت على الرحيل سرا يافؤاي سامحيني”
الشهيد الذي لم يستشهد بعد وهو عند الله شهيد بأذن الله… أبو بكر الشامي..
ختام الطقوس
بعد سنة و ثمانية شهور وصل حكمت إلى ” مستوى الاستشهاديين ” الذي اعتاد و رفاقه أن يطأطئوا رؤوسهم احتراما عند رؤيتهم ،فجاء الاتصال الذي طال انتظار وتخوف أهله منه ” سأتزوج خلال الأيام القليلة” و تكلمت الأمومة ترجو ابنها للمرة الأخيرة أن يؤجل لكنها ارتطمت بحاجز الإصرار و استسلمت لرجائه بسماع دعوات الرضا…
وقبل أن نغادر تناولت الصور المجموعة على الطاولة والتي كان السواد الوحيد فيها ثياب حكمت وشعره وأشارت لنا إلى صورتيها المفضلتين، صورته وهو يحضن رفاقه مودعا وصورة صغيرة كل مايظهر فيها زر واصبع على وشك الضغط عليه.
وقبل أن نخرج من الباب حكت لنا عن “العرس”الذي ارتدت فيه ووالده الأبيض وعن أشخاص لم تسمع بهم من قبل جاؤوا من مسافات بعيدة ليهنئوها بشهيدها .
ضيوف عدة شاركونا سماع القصة منهم الرضيع حكمت الحفيد الجديد لأم أبي الربيع ، وأطفال يلعبون الحرب في الغرفة المجاورة شدتنا أصوات شجارهم وعندما حاولت فض النزاع تبين أنه كان على من يحمل اسم أبو بكر وأبو الربيع وانتهى القتال بأبو الربيع واحد وأبو الربيع الثاني و……
زينة ارحيم …سيريانيوز