“أريد أن أعدّ تقريراً تلفزيونياً عن الهجرة من حي بابا عمرو، ما اللقطات التي تقترحينها؟ وهل لديك أفكار أخرى أستطيع أن أقوم بها للقنوات التلفزيونية؟ أريد أن أستفيد من وجودي هنا مع الكاميرا وأوصل وجع أهلي لأكبر عدد من الناس”.
هذا كان آخر حديث دار بيني وبين رامي أحمد السيد، الذي أصبح اليوم شهيداً، كان ذلك بعد ورشة افتراضية للتدريب الإعلامي يُعدّها نشطاء مغتربون لمساعدة “الصحفيين المواطنين”، على العمل بشكل احترافي.
يصوّر رامي الفيديوهات لشبكة “أخبار الثورة في بابا عمرو” منذ بداية الثورة، وعلى قناته على “اليوتيوب” حمّل 830 فيديو، ليتبادل الأدوار في الفيديو الأخير رقم 831 مع مئات الشهداء الذين صورّهم، ويترك مكانه خلف العدسة لمشروع شهيد آخر.
فيديو جثمانه كان كأغلب الفيديوهات الأخيرة في قناته، مؤلم لدرجة تدفع “اليوتيوب” لوضع تنبيه بأنه “يحتوي مشاهد عنيفة لا تناسب أصحاب القلوب الضعيفة”.
ترتجف صديقته العدسة على وجهه ثم تسير حتى رقبته حيث تظهر آثار الجروح التي عانى منها، قبل أن تنتقل إلى وجه الدكتور محمد الذي يؤرخ الفيديو قبل أن يبلع حسرته بسرعة، وبحشرجة صوته “يزّف” إلينا نبأ استشهاد أحد “أهم مصوري حي بابا عمرو” كما يقول، ثم يتابع “بقي ينزف في المشفى الميداني هنا أكثر من 3 ساعات، حاولنا نقله خارج الحي دون جدوى، رامي أصيب بشظايا صاروخ، أثناء مرافقته لعائلة تحاول النزوح من الحي، الصاروخ تسبب باستشهاد أربعة منها”.
تحوم الكاميرا حول جسده من جديد، تلاحق يد الدكتور محمد الذي يعرّي جراحه أمامها، الواحد تلو الآخر، صوت رصاص في الخلفية لا يبدو الدكتور متأثراً به، يتابع الشرح وقد أضحى بكاؤه أوضح “أصيب شريان فخذه الأيمن، وأصيب بشظية في الصدر”، تتهادى الكاميرا على الضمّادات العديدة على جسده قبل أن تعود لوجه الدكتور محمد الذي ينظر فيها مباشرة ويقول “قُتل رامي لأنه كان يصوّر الحقائق، لكننا سنُخرج ألف رامي، ثورتنا ماضية بإذن الله حتى النصر”.
يدخل أخاه كادر الصورة، يسترجع الأيام الأولى لانضمام رامي للثورة ثم يودّعه “الله معك يا رامي”، لا تمّل الكاميرا من التصوير، تروح وتذهب على جسد صديقتها لثلاث دقائق و25 ثانية غير عابئة بصوت الرصاص المتواصل.
الصحفي المواطن الرائد..رامي
أولى الفيديوهات التي حمّلها رامي على قناته على “اليوتيوب” والتي تحمل اسم “سيريا بايونير” أي الرائد السوري، كان فيديو إضراب شارع البرازيل في حمص في شهر تموز (يناير)، لتتالى فيديوهات: مظاهرات، شهداء، قصف، آثار القصف، إضراب، الصواريخ، أشلاء، مجزرة، قناص، قنبلة مسمارية، تشييع..
وصل عدد المشتركين في قناته هذه إلى مايقارب الثلاثة آلاف فيما تجاوز عدد مشاهديها مليون و800 ألف شخص.
أما في موقع البث المباشر الذي كان مُسجلاً فيه “بابميوزر” فوصل عدد متابعي الفيديو الذي بثّه مباشرةً لساعتين قبل استشهاده بساعات إلى 13 ألف مشاهد، ولرامي في هذا الموقع 70 فيديو لبث مباشر شاهدها أكثر من 42 ألف شخص.
الموقع ذاته كان سبّاقاً بنشر نعوة الشهيد والتي كتب فيها “”نعزّي بخسارة صحفي سوري شجاع جداً، رامي السيد، والذي بثّت قنوات عالمية ما التقطته عدسته في حي بابا عمرو، كلهم نقلوا عن كاميرته المثبّتة على أحد أسطحة الحي. وضع حياته بخطر ليوثق القصف العنيف. رامي هو من مناضلي الصفوف الأولى والأشجع ممن عملوا على جذب انتباه العالم لمايجري في حي بابا عمرو”.
أبو محمد ابراهيم، زميل رامي وصديقه قال للحياة “قبل الثورة كان رامي يعمل في شركة لإصلاح الهواتف المحمولة، وعندما انطلقت أخذ يصور بهاتفه المظاهرات ثم اتفق مع أصدقائه أن يجمعوا من النقود مايكفي ليشتري كاميرا للثورة”.
ويضيف ابراهيم “انتقل بعد التصوير والرفع على اليوتيوب إلى البث المباشر وأصبحت أغلب مهام التوثيق المرئي تُوكل إليه”.
عن رامي يتحدث أبو محمد بشغف “هو إنسان طيب، حلو المعشر، ونفسيته ولا أحلى، كان يحب توم وجيري، والخوايف، أجل الخواريف وروحه مرحه جداً، كما كان يكره الكسل ولم يخف إلا من الله”.
رامي من مواليد 1985، وهو أب لطفلة اسمها مريم وعمرها 18 شهراً لم يرها منذ أن حوصر في حي بابا عمرو منذ ثلاثة أسابيع، ولم يتمكّن أهله من وداعه إلا عبر الفيديو الذي صُور بعدسته وعُرض على قناته قبل أن يُبثّ على القنوات الفضائية.
في آخر رسالة كتبها رامي وأرسلها لأصدقائه عبر غرف “السكايب” وصفحته على الفييس بوك كتب:
“باباعمرو تتعرض الآن لإبادة جماعية، لا تقولوا لي قلوبنا معكم، أعرف هذا، نريد حملات في الداخل والخارج، نريد مظاهرات أمام كل السفارات وفي كل مكان، بعد ساعة من الآن لن يكون هناك ما اسمه “بابا عمرو” وأعتقد أن هذه هي آخر رسالة لي، ولن يسامحكم أحد”.
المادة منشورة في صحيفة الحياة بتاريخ 24-2-2012