على المقعد الخلفي أجلس وقد وضعت “سُلكاً على رأسي” لا هو سفور ولا حجاب وإنما بينهما٫ وهما أمامي..
*على الحاجز الأول لحزب العمال الكردستاني PKK:
“الهويات يا شباب”.. “الباكاج لو سمحتو”..وعندما شرعنا في الرحيل استوقفنا مرة أخرى سائلاً “الأخت معكم”؟
-“لأ.. مو معهم أنا”.. مع ابتسامة عريضة..
– “إي الله معكم”..
*الحاجز الثاني أيضا “الهويات..الباكاج..الأخت معكم”؟..
-“ممكن ثلاثة خيارات”؟
*الحاجز الثالث قبل أن نخرج من المناطق السورية الكردية٫ أوقفنا شاب بابتسامة ساحرة ولم يسأل إن كنت معهم أم لا لكن قبل أن نتابع الطريق نظر إلي ثم خاطب الشباب “مشان الصبية تظبط حجابها لأنو الحواجز الجاية بيدايقوها” وهو يقصد بقوله هذا حواجز جبهة النصرة والجيش الحر والتي تبدأ من اعزاز لدارة عزة ….
“حواجز ال PKK من أكثر الحواجز احترماً في تعاملها مع المدنيين “هذا مايردده كل من يمر على الحواجز ولم أر ما يخالف هذه الأقوال”.
لم أسمع نصيحة الشاب صاحب الابتسامة الساحرة ولم “أتستر”..
*وعند مدخل اعزاز أوقفنا حاجز آخر..
وبعد “هويات الشباب” طلب هويتي وهو أمر مستغرب فحتى حواجز النظام لا تدقق في هويات الفتيات..هويتي جاهزة أعطيته إياها فتأملها لدقائق ثم قال “ما تواخذيني يا أختي لكن النُبّليات تمر من هنا”! تقطب حاجباي ورددت بصوت أعلى من المفروض أمام المسلحين “و إذا كنت نُبلية! شو كنتوا عملتوا؟”!..رد بابتسامة هادئة.. “منشولك”.
*بعد أمتار قليلة وقفنا من جديد وبعد انتهاء الاجراءات العادية قال العنصر المكلف بتفتيش سيارتنا “أختي المرة الجاي مشان تحطي حجاب”!
“ليش خاي؟” (لهجتي الإدلبية تطفو على السطح عند المشاجرات والغضب).
“لأنه حرام” أجابني العنصر المهذب..
“أنا التي ستذهب لجهنم أم أنت”؟
“انتي”
“طيب اتفقنا! شيع أنا ولجهنم..”
“النصيحة كانت بجمل يا أختي”..
“نزل بارودتك قبل ماتلحش علي نصيحة وأنا مارة على الحاجز يا خاي”.
*في ناحية دركوش في إدلب والتي لا تتجاوز مساحتها الكلية ١٠٠ كم مربع مررنا على أكثر من ثلاثة حواجز
أوقفنا أحدها لنصف ساعة بعد أن تأكد من هوياتنا وفتش السيارة وسأل لماذا مررنا من هنا وإلى أين ننوي الذهاب..
حتى وصل أخيرا لسؤال تعجيزي “أعطوني حدا بيعرفكم”!
“لا أحد يعرفنا هنا! فنحن لسنا قادمين لهنا وهنا ليس إلا طريق!”..
عشرة عناصر على الحاجز ورشاش دوشكا وكؤوس شاي وإصرار..”بدنا حدا بيعرفكم”.
“لا يوجد اتصالات حتى نتصل لك بمن يعرفنا”!
بدأنا نفقد حسنا المساير فشعر ألطفهم بالأمر واعتذر مني موضحا “لا تواخذينا يا أختي لكن اتصل بنا الحاجز السابق وأخبرنا أن سيارة هوندا فيها صبية ترتدي حجابا فلسطينيا ستمر من عندكم وقد شكوا بأمركم”!
*في طريق العودة أوقفنا حاجز بآخر البلدة وطلب من صديقي أن يركن السيارة على جانب الشارع وينزل معه..
خفق قلبي ذات تلك الخفقة عندما أوقفنا حاجر الجوية في حلب وأنزل ابن خالتي منها بعد أن لقم سلاحه..
دخل صديقي “الغرفة الأمنية” وطلب منه العنصر أن يجلس فرض فصرخ به “اقعود ولاك” وهنا فقد صديقي أعصابه وبدأ يصرخ بهم “أنا لست معتقلاً هنا٫ وإن لم يكن لديكم إثباتا علي لا أسمح لكم بالحديث معي بهذه الطريقة”..
كنت أسمع الصراخ وقد فتحت باب السيارة وتسللت برأسي خارجها فخرج أحد العناصر من الغرفة وصرخ في أنا الأخرى “انضبي لجوا خيت وسكري الباب” ثم استدرك “لو سمحتي”!
“لم أسمح!..هذا الشارع لي كما هذه البلد”!
حُلّت القضية وأطلق سراح صديقي بعد نصف ساعة من التحقيق فقط عندما جاء أحد قادة الكتائب الذي يعرفنا واعتذر منه ومني عن المعاملة مبرراً أن هناك اسم مشابه على قائمة المطلوبين.
*في الغسانية التي أصبحت مقرا لكتائب دولة العراق والشام الإسلامية المنشقة عن جبهة النصرة أيضاً أوقفنا حاجز “ماذا تفعلون هنا”؟..
-“وهل هنا ممنوع على السوريين حلال على المهاجرين”؟
*على الحاجز في جارتها اليعقوبية تلك البلدة التي لم تغادرها سيداتها المسيحيات المسنات يجلس شاب بقامة ممشوقة وشعر “سبايكي” تبدو غمازاته العميقة كلما ممرنا مع سلام حار وعزيمة لشرب الشاي..
*على معبر باب السلامة الدولي دخل معي أعلامي كفرنبل رائد الفارس ورسامها أحمد جلل وعند التفتيش أوقفنا شاب ملتحي (مع حف الشارب)٫ طلب جوازات السفر ثم فتش السيارة وقبل أن يومي لنا بالمسير تذكر أن يسأل رائد..
“ماذا تقربكم الأخت؟”..”لا تقربني” أجاب رائد..فارتفع حاجب المسلح وتوسعت حدقتاه والتقت إلى أحمد سائلاً بعجب “وأنت ماذا تقربك”؟ فأجاب “لا تقربني أنا أيضاً”.
فقد الشاب توازنه٫ أخد أوراقنا بيده ونادى على من أعلي منه رتبة باستنكار “تعال شوف! طالعة مع شبين مابيقربوها”!
جاء الرجل الأكبر سناً وحاجباه عالقان بأعلى جنبيه وفمه مفتوح وتوجه لي بالحديث “لا تقربين هذا” وأشار بيده لرائد..فأجبته لا! ثم حول يده لأحمد وأعاد السؤال فأعدت الإجابة وهنا بدأ يتمتم “شو مفكرين الدنيا سايبة وفوضى”!
اتفضلوا معي على التحقيق..قال الشخص الكبير الغاضب لأحمد ورائد٫ وعندما تأخر رسام كفرنبل بالنزول من السيارة نهره “انزول ولاك” ثم أمسكه من يده فقال له أحمد “ما تشحطني” فرد عليه الشاب “بشحطك وبشحط أبوك” وشيئ آخر خجل أحمد من ذكره لي…
بعد تحقيق نصف ساعة عاد أحمد مع الشاب الذي طلب مني أن أذهب للمكتب الإعلامي لاعزاز لمراجعتهم كوني صحفية وقد اكتشفوا أننا إعلاميين.
في المكتب كان شاب لطيف بلحية شقراء يحاول تهدئتي وآخر مسلح عنيف رأيت صورته من يومين مع عضو الكونغرس الأمريكي جون ماكين وقد كان أعنفهم..
طلب مني الجلوس مرات عدة ورفضت فضرب على الطاولة أمامي ونظر في عيني حتى شممت رائحة سواكه “عمقلك اقعدي!” فرفعت صوتي أنا أيضا وقلت له “لن أجلس وأنا حرة” هنا تدخل الرجل الأشقر اللطيف وأخرجه من الغرفة خوفا من أن يرتكب حماقة ويمد يده علي وقد شعرت أن هذا الأمر وشيك!
حتى أن الرجل الأشقر وليهدئ النفوس قال “إذا نحن السوريين لم نتحمل بعض٫ من سنتحمل؟ العلويين مثلا؟!”..ثم زل لسانه وقال كيف تتحركين بلا محرم وعندما رأى الكم المهول من الاندهاش والصراخ الذي بدر مني اعتذر وقال إنه لم يقصد ذلك.
في المكتب الإعلامي كان كل من يغني على ليلاه..”أنت إعلامية ولم تأخدي إذنا للعمل في سوريا”٫ “نريد التأكد من أنك لست مخطوفة لسلامتك”٫ “القضية بسيطة ومحلولة لماذا جعلتم منها قصة كبيرة٫ لم يضربكم أحد”٫ “من أزعجكم لا يمثل القوات المرابطة على المعبر وإنما يمثل نفسه”!!
وطول ذلك الوقت كنت أكرر “شو دخلكم مع مين أنا؟! كيف بأثر مين معي على أمنكم وسلامتكم! شو دخل شو بشتغل بمين مرافقني! أنا فلاحة وطالعة مع ولاد الجيران شو إلكم عندي!..
منذ فترة طويلة لم أسمع هذه الطبقات العالية من صوتي..وعند رحيلنا اعتذر الرجل الكبير وسألهم لماذا مازالت تزورني! فهمرت بوجهه سآزور وأفضحكم أيضا!!
ومع خفقات قلبي وتسارع أنفاسي غضبا كان مسراب صغير للسعادة يمر في رأسي..أمام عنصر أمن صغير مسلح لن أجرأ على الاعتراض أو رفع صوتي..ولو اختفلت أسباب القامعين..هنا كنت أنا المدنية “الضلع القاصر” صاحبة الصوت الأقوى والأخير..
طريقنا طويل وحواجز القامعين فيه كثيرة لكن ماذهب لم يكن مجاني..من الشحط والإذلال والاعتقال إلى الصراخ لنصل أخيرا للحرية! وان كيّفنا أو ما كيّفنا..دم الشهدا دين وحريّة للأبد.