عندما تُرفع صورتي على “انستغرام” إلى محكمة معايير الجمال الأبوية

أمشي في مدينة ألمانية نائية وأنا أستمع لأغاني المهرجانات، في تحدي لقرارات هاني شاكر بالتحكم بذائقتنا الموسيقية، وفي الوقت نفسه لبث الحياة في هدوء البلدة المُوحشة..

قررت مشاركة هذه اللحظات السوريالية، من هدوء خارجي مُطبق يتخلله أغاني شعبية راقصة تنبعث من هاتفي، مع من يتابعني عبر “الانستغرام”، لتأتيني رسالة من شخص يضع حرف د. قبل اسمه، لم اتواصل معه قبلا ولا أعرفه.

يخبرني صاحب الدال دون مقدمات بأن وجهي يبدو “مُتعباً” وبأنني أحتاج “لفيلر وبروفايلو”، أقرأ رسالته عدّة مرّات محاولة اكتشاف مصدر وقاحته والثقة والصلاحية التي اعتقد أنه يملكها ليعطي لنفسه الحق بأن يُحاضر بامرأة عن شكلها وتجاعيد وجهها الشاحب.

ثقة رضعها صغيراً وهو يسمع من كل من حوله بأنه “الرجل”، ويحق له ما لا يحق لغيره، وبأنه “المسؤول” عن شكل ولباس وحركة وطريقة مشي كل النساء في محيطه، ولهذا يُسامح إذا ضربها، ويُبرر له إذا تحرّش بها ويُعفى من السجن إذا قتلها غيرة و”شرفاً”.

طبعاً عزز سلطة هؤلاء الرجال “الألفا” المعايير الرأسمالية التي تقنع النساء بأنها “بشعة” إن لم تنحت جسمها لتصبح كلعبة شمع جنسية، البشرة ناصعة كغيمة صيفية، والشفاه كقطعة نقانق ملساء، والعيون بالكاد تُفتح من ثقل الرموش الاصطناعية، فوق كل هذا تغرق مسام الوجه بطبقات من المساحيق المُتعددة، لم كل هذا؟

لا أجد جواباً له إلا تعزيزاً لدور المرأة الجندري التنميطي بأن تكون “مرغربة” من قبل الرجل، و “كاملة الأوصاف” لأجله إضافة لكونها تحمل الجنيات “الصحيحة” لتمررها لـ”أطفاله”.

تربّينا بأن نأخذ نقاط ثناء كلما أثبتنا لمجتمعنا بأننا مرغوبات أكثر، كأن ندرس فروعاً “أدبية نسائية”، نحمل الملامح الأنوثية، نلبس ونمشي ونتكلم بصوت يلائم توقعات مجتمعاتنا لتعريف الأنثى. نسكت ونتهم بأننا ثرثارات، نتحمل الصعاب، مُلزمات بالصبر على كل انتهاك، وفوقها نوصم بالنكدية..

ننجح في امتحان الـ”بنت الجيدة” عندما نكون مطيعات، مُسيّرات نوّلي زمام أمورنا كلها لرجال عائلتنا لأنهم الأعقل والأقدر والأكبر والأذكى، لينتهي بنا المطاف نتلقى من أحدهم رسالة يخبرنا فيها برؤيته الثاقبة بأننا نحتاج “لفيلر وبروفايلو”.

فكيف أقول لأبو البروفايلو بأنني فخورة ببقع الشمس على بشرتي لأنها دليل على أنني حيّة أحب الشمس وأحصل على كميتي الكافية من الفيتامين دال، لدي الاستقلالية لأخرج من المنزل، والسلطة لئلا أغطي وجه خوفا من الشمس والمتدخلين من أمثاله في حياتي؟

كيف أشرح له بأنني ممتنة لعيني لأنهما مازلتا بوابتاي على عوالم أتعرّف عليها بفضول رضيعة، وللتجاعيد التي تحضنهما لأنها تخبر عن تعبي كامرأة مستقلة تعمل 14 ساعة يوماً لتحقق نفسها وتساعد الأخريات.

في كل خط منحني يحفر جبهتي أخبّئ عمراً، واحدا عشته قبل الحرب وآخر بعدها وعشرات الأخاديد خلالها، في كل يوم يخطئني صاروخ تتّهدل بشرتي بسرعة رصاصة، ويرسم هباب البيوت المحترقة دوائر سوداء تحت عيني وحول القلب.

في كل شعرة بيضاء تشق طريقها لرأسي، أمل ضائع وصديق خائن ونجاة من يوم جديد في رحلة اللجوء، وحدها تضاريس بطني المكوّرة تحمل ذكريات جميلة، من خطوط الحمل بابنة قلبي، إلى كتل دهنية أنتجها طبق يبرق مدهن مع المحشي والكبة والسفرجلية التي يلمع سطحها كمرآة الملكة الشريرة التي تزوجها والد “بياض الثلج”، تخبرها بأنها الأجمل في المملكة.

في كل تجاوز لمعايير الجمال بجسدي تجربة وحكاية وخبرة، نجوت من حرب حقيقة وعشرات الحروب الافتراضية، ومازلت احب الرقص والموسيقى الصاخبة وأتمايل عليها حتى تأذن لي آلام ظهري.. أبكي عندما تُقتل النساء برصاص الأبوية الرخيص في مجتمعاتنا، وعندما يُسجّن ويوصمن ويُقمعن وهنن مقتنعات بأنهن “مُكرّمات”، ويعتصر قلبي ألماً من الضغوط الاجتماعية التي تدفعهن لحرمان أنفسهن من نعمة الاستمتاع بالطعام دون حساب، من الخروج من المنزل دون طبقات من الألوان، ودون خوف وحسابات على الأقشمة التي يخترن ارتداءها.

يذهلني الضغط المُمنهج الذي يجرب النساء على صرف مدخولاتهن الشهرية لينحتن خصرهن ويحقن وجهن ويخفين الحبوب بالفلاتر، ينزعن شعر جسدهن واحدة واحدة ليصبح كأرض جرداء..يحرقن أجفانهن لتصبح مشدودة، ويقصّهن وجههن لتكبر العيون، لتضيع ملامحهن خلف العمليات…

ومهما فعلن لا يكون كافياً، فمعايير الجمال الأبوية الرأسمالية لا تكتفي، تعادي أجسادنا الطبيعية وبشرتنا المُتعبة وتعاقبنا على تجاوز سن العشرين وكأننا نختفي بعده.

إذا لم تسألك المرأة عن رأيك هذا يعني أنها لا تريده، إذا لم تطلب منك استشارة عن ملابسها، شعرها، حجابها، بشرتها، فهذا يعني بالضرورة أنها ليست بحاجته وأنك تعتدي على خصوصيتها عندما تتفضل بمُشاركة آرائك غير المُرّحب بها. معادلة سهلة احفظها…لا تعطي رأيك عن موضوع يخص المرأة إذا لم تطلبه منك نقطة.

وبهذا أنهي مُرافعتي في محكمة ذكورية لم أدعك إليها ولم ينصبك أحد مُدع فيها، وأعلن منها أنني أحب نفسي بعيوبها وتعبها وخبراتها وأكره قوانينك التميزية.

أما أنت يا عزيزي المعتلي على سلطة الذكورية، فهل يمكن أن تقول لي بالله شو يعني بروفايلو؟

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.