عندما يعرف جارك كم رغيف خبز تغدّيت، ويسألك قاطن محافظة أخرى متى خرجت أختك من البيت بصفته جارك السابع، وعندما يهبط عليك كيس زبالة من غامض علمه وأنت تمشي ياغافل إلك الله في شارع رئيسي في مدينة رئيسية، فبطاقتك الشخصية ممهورة برقم وطني.
عندما تتسابق السيارات للمطاردة سيارة الإسعاف لتسرع وتتجاوز الإشارات بحجّتها، وتسمع زمامير السيارات تتعالى في الفرح والغصب والرواق، وعند توزيع “إشاراتنا المورسية”، تووووت = ياتوت الطريق مطوّب باسمي، وتووت تووت = بعّد توتك من التوتة يا ابن الحبابة، وعندما يقترب عدّاد إشارة المرور من العشرة، هذا في أحسن الأحوال إذا كنت في شارع رئيسي في حلب أو دمشق وكان عندك إشارة مرور أساساً.
وحتى إن أسعفك الحظ وكان لديك إشارة مرور فلن تختلط عليك سورية بدولة أخرى، فالإشارة إما تنقطع مع انقطاع الكهرباء أو تنطفئ بعد الساعة 11 ليلاً لتهدر الطاقة على الغمّاز البرتقالي.
إذا اعتدت على مشاهدة السيارات تطير على المطبّات آلاف المرات لكي تستطيع التوقف عندما يقرر سيادته الدخول بسيارته ذات الأصفار إلى مكتبه مرة في الشهر في مواسم العمل، بينما يركب أبو سعيد مع زوجته وأولاده الأربعة على موتور “فرفورة” لتوفير آجار التكاسي واهتراء بقايا أحذيتهم، فلن تكون إلا في الجمهورية العربية السورية.
عندما يحقّ فطريّا لأي لابس نظّارة سوداء أن يسألك مايريد في الوقت الذي يريد، وأن يؤدّبك ويعظك وينظّر عليك لساعات بالوطنية التي حصّل على شهادة فيها بعد تأليفه لمجلّدات في أهله وأصحابه، أهلا بك في سورية.
عندما تخاف إسعاف مصاب حتى لا توقَّف ولا تقعد لحتى الله يفرجها، لأن ذكاءنا الجنائي يعتبرك “مشتبها به عذّبه ضميره” لإسعاف مصاف بحادث BMW وأنت لا تملك بسكليت!
إذا انطربت بألحان الباعة الجوالين (مازوت وجرّات غاز وليمون وملوخية وبطيخ)، وعطّرتك هئية مكافحة الحشرات كل يوم ببخّاخة السمّ، وعشت المثل القائل “بحبوا العلو ولو على الخازوق” في تفاصيل حياتك، فلن تكون إلا على أرض الوطن الغالي، الغالي جدا لدرجة أن عمر راتبك ينقصف أول أسبوع، وتشحد الدعم أمام البنوك لتدفئ بقاءك وصمودك بعد انتهاء الشتاء بفصل.
وإذا لم تسأل ماذا تعني ضريبة الإنفاق الإستهلاكي؟ ومانسبة ضريبة الإدارة المحلية من إنفاقك؟ وأين الطابع الذي يقتطع كل شهر من فاتورة موبايلك الشيء الكثير؟، فقد بدأت الحراشف تثخن على جلدك ومبروك أنت تتحول إلى سوري مثالي.
عندما تلّم مكنسة الزبال شهادات الجامعة، ويحتضن “بيت شارون وبوش” الأخضر آمال الشباب بينما تشرب هيئة مكافحة البطالة المتّة وتطالع المستقبل المجيد في صفحة الأبراج، وعندما تتعّلم الحكم الحياتية من ظهور الشاحنات “غدّار يا زمن، اللهم ارزقهم ضعف مايتمنّون لي، اللي بطلّع عليك بعين اقلعله التنتين”، تبقى أنت أكيد بسورية.
عندما تأكل من “مطاعم” الكراجات “سودة كول ووّدع، وكباب آخر مرة، وفلافل علآخرة يا فاخرة”، وتنتعش أنفاسك برائحة الحمراء الطويلة والقصيرة، بالتأكيد أنت بين أهلك وناسك.
إذا اعتبرت تعرّفك على بنت خالة كنّة عم أبوكي في حفلة خطبتها “اللي على الديّق” أمراً عاديّا، ولا تكتثرين للتلطيشات المهضومة التي تنهال عليكي عندما تمشين مع صديقتك “أحلى وحدة اللي ماشية بالنص، صار للأرض قمرين، إي يا أرض احفظي ماعليكي وامشي على رمشي”، لن تكوني إلا سوريّة.
وعندما يتحوّل أي طابور تقف فيه إلى جسم على شكل “قمع أو دلتا النيل” يرفده المتسربون من اليمين والشمال بينما يتقاتل خط الوسط “الفريدون المنضبطون” مع بعضهم، فأنت على وشك الدخول في معمّة ورقية معلّمة بالأختام السورية.
عندما تقرأ في صحيفة رسمية:
“ونحن نتوجه بالشكر لكافة عناصر الضابطة الجمركية لما يبذلونه من جهد لحماية الاقتصاد الوطني” (منولوج وطني).
و”نطالب برفع أقصى العقوبات بحق المواطن المجرم طفران محمد والذي سوّلت له نفسه بسرقة خط كهرباء من البلدية، لجعله عبرة للمعتدين على إقتصادنا الوطني وتسببه بقطع الكهرباء عن قريته” (طبعا اقتصادنا الوطني واقف على هالكم واطة اللي سخّن فيها طفران مي ليحمّم بنته اللي عمرها يومين، بس مايتأثر بالحصون والأسوار التي توّج وجّا وتستطيع رؤية إضاءتها من الطائرة).
و”كثيرة هي الأسئلة التي تطرح علينا ولا نجد لها جوابا، ونحن تحت هذا العنوان سنضع هذه الأسئلة بين أيدي الجهات المعنية كي تتفضل وتجيب عليها” (كمقدمة لما يفترض أنه خبر)
“هل من مستجيب” (خاتمة مؤثرة!)
“نعلم جميعاً أن الصديق عند الضيق أي في حال وقع الشخص في مزق مادي أو معنوي بالطبع لن يجد إلا شقيقه أو صديقه لمساندته مادياً أو معنوياً” (مقدمة خبر حوادث لصديق يسرق صديقة!)
أنت إذا في سورية، ولن تضيع فيها وإن تعمّدت، أسرع بالقراءة فأمك تنتظر لتمسّح البللور بالجريدة
زينة ارحيم..