إلى من بقي من أهلي…من ترسم ترسّبات مياهنا الكلسيّة في كليتيه شكلاً للوطن، ويدخل الزيتون المكلّس في تركيبة كُريّاتهم الدموية، من لا يشبع إلا بأرغفة ساخنة مغمّسة بغبار الرصيف أمام فرن “الذّرة”…
إلى أهلي.. يحفظون أطواري من طفلة فرحة لمراهقة نزقة فجامعية قصيّة لم تنجح الـ360 كم والـ 150 ليرة في ذلك الوقت من النيل من طقوسها الأسبوعية في العودة لهناك…حيث تنتمي وتكون…وتتنفس بكل ما أتيح لها من رئتين “هويات إدلب الغير شكل”…
إلى أهلي الذين اتفقت والقدر على اختيارهم وأصبحوا نقطة قوتي وملمَحاً في شخصي وعملي الصحفي…من أرمي في رحابة صدرهم أوجاعي وأهرب منهم إليهم….
إلى أهلي الذين لا أعرفهم بوجوههم ويميّزوني من كفيّ وصوتي من بين عشرات المُلثّمات تحت عباءة سوداء وخمار أحمر…لهم تحديداً… لا من تجمعني بهم أربعة حروف باردة على الهوية ولا من قرر القدر ربطي بهم…
وصلني ما كتبه بعضكم وغيركم عنّي بدءاً من أنني صهيونية وعميلة وخائنة -تماماً كما اتهمّني أنصار النظام عند بداية الثورة- وصولاً لأنني جاهلة وغبية وإعلامية فاشلة وتُحركنّي أياد خارجية، ومتابعةً إلى التهديد والوعيد الذي يبدأ بالتشويل ولا ينتهي عند رصاصة يُتهم بها النظام ويُضرب بي عصفوران بحجر…
لكننا لسنا عصفوران يا أهلي … فمع عائلتي ستصيبون خامة قلوبكم النقيّة وتتركون لطخة سوداء على غيرتكم -المبالغ فيها غالباً- على صبايا البلد، عدا عن قمع “حريّة” استشهد منكم الآلاف وهم يهتفون بها ولأجلها…
أغلبكم غضب على غضب الغاضبين الذين غضبوا بدورهم لكلمات منتقاة بفوضوية من إضبارات محكمة أمن الدولة… وترك للتبهير، الذي نملك أبرّع طبّاخيه، مهمّة إكمال الحملة… وصولاً لمحاكمتي غياباً بتهمة “النيل من هيبة الثورة”، و “ووهن نفسية الثوار”…لم أقوَ على الرد..وبم أرد؟ أنا لست صهيونية؟ أنا ابنتك وصديقتها وأخته؟! وامتدّت الحملة التحريضية حتى لتطال معتصم الذي لايمكن لأحد أن يكون أبعد وأقل تأثيراً على عملي منه!
حقيقة بعض الشخابيط لا تستحق الوقوف عندها وكونها بُذرت بين أهلي، اعتقدت أنها ستُدفن في مكانها…ومازالت الصدمّة تتملكنّي وأنا أراها تنمو أشواكاً يابسّة وأعشاباً ضّارة علمّني جدّي كيف أقطعها إن أردت أن آكل التين في الموسم القادم…
بما يتعلق بالتقرير، لا يستطيع أي من الموجودين فعلياً في إدلب وريفها أن يقول أن المجموعات التي تناولتها وهمية أو غير موجودة أو تم تشويهها وتحريف مبادئها.
جبهة النُصرة ليست سرّاً، وجلّ التقرير كان مما تُعرّف به الجبهة عن نفسها وماتنشره على مواقعها الرسمية، لمن يعترض على سُمعة ارتباطهم بالقاعدة ليوجّه الحديث لهم ويطلب التوضيحات، أما من يعترض عليهم كمجموعة مجاهدة وفاعلة على الأرض فليشمّر عن زنوده ويقاتل أويقوّي المجموعات الأخرى، وأخيراً من يريد أن نتجاهل هذه المجموعة القوية والمعروفة بعملياتها الكبيرة ضد النظام تحت ذريعة أنه “يضّر بالثورة” بما لهذه الجملة من مفاهيم مطّاطة فهو يسيئ للمجموعة ويعتبرها “خطأ يجب إخفاؤه” أولاً وثانياً أنا كإعلامية أراها فصيلاً مقاتلاً يحق له أن يملك صوتا ويعبّر عن رأيه، وافقته فيه أم اختلفت معه، ومن يريد أن يرى ما يُحّب من الحقيقة فقط فلديه العديد من الخيارات…
أما صبّ جام الغضب على المصوّر أو الصحفي فهو معركة دونكشوتية فيها من المنطق مايوازي تماماً اتهام النظام السوري لقناة الجزيرة بأنها قائدة الثورة السورية ومُسببتها..
والاعتقاد بأن الغضب أو التشويل أو حتى القتل يمكن أن يُخفي مايجري ليس استغباء للعقول النشطة التي تفتّحت مع الثورة فحسب، وإنما خيانة للنشطاء الإعلاميين الذين ضحوا بحياتهم لكي نرى ونسمع الحقيقة كاملة، ولم يسمحوا للنظام بأن يعتّم بكل مايملك من وسائل وقوة على تفاصيل يومياتنا…
وبالنسبة لمن يعتقد بأن التقرير أخرج “الزير من البير” وكشف المستور الذي عجز عن كشفه مئات الجواسيس وعناصر المخابرات الأجنبية المُرفقين بكل شجرة زيتون بالبلد الآن، ومن يظّن أن الامين العام لحلف الناتو السيد راسموسن كان يمسك القلم بيده ويهمّ بتوقيع تكليف للناتو بإسقاط النظام ثم بعد مشاهدته لتقريري ضرب على جبينه وشقّ الورقة بعصبية وقال “يلعن روحك يا زينة كيف هيك حرمتينا من هالحسنات اللي كنّا رح نحصّلها بتخليص هالشعب؟”… وهكذا قرر الناتو عدم التدخل في سوريا…
فعنجد عنجد…لا شيء أقوله له ..عنجد…
إلى أهلي…الذين قالوا أنني أظهرت “أحرار الشام” كمجموعة إرهابية…لا يمكن أن تكونوا حريصين على صورة المجموعة أكثر من مكتبها الإعلامي الذي أرسل لي شكراً بعد أن بُثّ التقرير، إلا إذا كنتم تعتقدون أن فيما قاله الشيخ أبو عبد الرحمن شيئاً من الإرهاب!! وبهذا عليكم مراجعة أنفسكم أولاً ثم أبو عبد الرحمن ثانياً وبحسب معلوماتي أبوابه مفتوحة وأنا أقبل بحكمه وقد عُرف عن محكمته العدل والرشد..أفلا ترشدون…
ولمن حاول الانتقاص من قائد لواء “شهداء إدلب” لأنه “غير متعّلم وبائع قطع غيار”، فأعتقد أن الثورة أثبتت أن التعلم وأهله لا يرتبط بالضرورة بالوقوف مع الحق، و إن كان بائع قطع غيار أو بائع سيارات، هذا لا يغير أي شيء من حقيقة أنه قائد لفصيل مقاتل فاعل على الأرض وهو شخص، بحسب ما رأيت، متواضع وعلى فطرته السليمة حارب من أجلها سلمياً واستمرّ رغم القصف والمشاكل والخلافات ونقص الدعم وكل مانعرفه جميعاً من أخطاء.
وبالنسبة لاستخدامي لكلمة “جدارستان” فقد استأذنت أبو كنجو ذاته وهو من قال لي “مو مشكلة”، عندما كنت جالسة معه وفي الغرفة أربعة شهود. يا أهلي…أنا إعلامية وأحب عملي وأتقنه ولم أطلب في حياتي واسطة أحد لتعيني في وظفية لا أملك مؤهلاتها، أخطأ طبعاً لكني لا أخرج عن أسس المهنية.
لمن شاهد حقيقة التقرير-وهم قلّة- سيكتشف أن فيه أربع مجموعات، مجاهدة يُقال إنها مرتبطة بالقاعدو (جبهة النصرة)، مجاهدة تؤكد أنها غير مرتبطة بالقاعدة (أحرار الشام)، إسلامية لا تعرف ماهي القاعدة وتريد تحديد هوية الدولة بالانتخابات (أحباب الله) وأخيرا مجموعة تُعرّف عن نفسها كمدنية ووطنية (لواء الشهداء). أي مجموعتان مجاهدتان ومجموعتان جيش حر وكل من مرّ بالتقرير سوريون وفاعلون ولهم رأي ويحق لهم إبداؤه، أنا أقف على مسافة واحد منهم كإعلامية، ولا أخاف من أي منهم ولا يقلقنلي خلافي معهم في التوجّه والأيدولوجيا، وبالتأكيد لن أنظّر عليهم من بعيد وأحاول إخفاءهم أو الانقاص من قدرهم وأنا في ملجئي القصي الآمن وهم يُمطرون بالبراميل.
من المجاهدين لي أهل سأهرع لمنازلهم شاكية خديعتي بصديق طفولة “غير إسلامي” قدّمت معه أول برنامج تلفزيوني في حياتي من نافذة غرفة في جبال اللاذقية وكان أهلنا الجمهور…
من يربط لون الشعر بطول القامة عليه أن يراجع أسباب ربطه هذا بذاك لا أن يلوم المرآة التي أظهرت خطأه، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على من يعتقد أن التقرير أظهر المجاهدين (الذين عبرّوا عن أنفسهم بكلماتهم وقصصهم وطريقتهم) كإرهابيين فهو إذا من يربط الإرهاب بالذقون والصلاة ويسطّح المعاني لتتلاءم مع مايريد…
إلى من رحل من أهلي… استمتعوا بضحكة “الشبيّح” الذي حرّك أحجاره وأطلق الحملة علي بعد أكثر من شهر على عرض التقرير، واسعدوا بتصفيق يديه المدمّيتين بدماء أهلي في مجزرة المسطومة…لجأت لكم منه فكنتم معه علي…وحَسُن لكم صاحب…وحَسنُت خسارتي لكم…
لن تخيفوني من أهلي… سأذهب كما سابقاً بذات الثقّة… ثقة بطيبتهم ومعدنهم الثمين، سأمشي ورأسي مرفوع بينهم، سألقي عليهم التحية و أمازحهم ونضحك ونكبّر وأنتقدهم وطبعاً سأتطفّل على اجتماعاتهم الذكورية ومائداتهم الطيّبة… سأسكن في عدّة من بيوت أهلي المشرّعة وسأشاركهم ندرة المياه والكهرباء وغزارة الـ”شلي” والشتم على تلك القذائف اللعينة التي ترسلها المؤامرة لقطع حديثنا دائماً…فبينهم فقط لن تصلني أذّية من لا أتشرف بأن يكونوا أهلي..
برأيي التقرير لم ولن يغير اي شيء من الواقع الذي نعيشه .. فالجبهة لا تخفي وجودها في الثورة السورية .. ولها بصمة كبيرة وانجازات عظيمة ترفع القبعة لها ..
وبصفتي اعلامي .. لم اجد في تقريرك اي شيء مسيء .. لا للجبهة ولا للثورة ولا لمحافظة ادلب … ولكني فهمت ان بعض المتملقين والغاضبين من لا شيء يحاولون التقوي على الجانب الضعيف من ثورتنا ويتركون الجانب الظالم القوي … واعتقد ان “وأخيراً من يريد أن نتجاهل هذه المجموعة القوية والمعروفة بعملياتها الكبيرة ضد النظام تحت ذريعة أنه “يضّر بالثورة” بما لهذه الجملة من مفاهيم مطّاطة فهو يسيئ للمجموعة ويعتبرها “خطأ يجب إخفاؤه” أولاً وثانياً أنا كإعلامية أراها فصيلاً مقاتلاً يحق له أن يملك صوتا ويعبّر عن رأيه، وافقته فيه أم اختلفت معه، ومن يريد أن يرى ما يُحّب من الحقيقة فقط فلديه العديد من الخيارات…” كانت هي الفيصل والحل لكل من يريد ان يتكلم عن عملك او وجودهم ..
رائع ….. لعلي أعرف كل هذا بشكل جيد ولعلي مررت بكل التفاصيل التي تحى الأهل والاعداء والغيرة والشرف والصراع من أجل ماذا لست أدري وهل الثورة هي من يفرز كل هذه التفاصيل أم أنها الطبيعة التي جبلت عليها نفوسا أظنا أن امرا كهذا ما كان ليحصل في بلد كبلدنا في شرق أصر على أن يبقى مزهرا كشرقنا لم نثر لأننا نعشق الثورة أو نحتاجها لكننا ثرنا لان الثورة فيها شيء من طبيعتنا الشرقية والإدلبية على وجه الخصوص سيبقى للواقع رأي وللأهل رأي وللحقيقة رأي آخر ……….
دمتي بخير