في ربيعنا الماضي كان هناك يلتقط صوراً تذكارية مع أزهارنا البريّة التي تجاهلت جفاف الحرب ولم تنتبه للغرسات القاتلة التي زُرعت وأثمرت في تربتنا البُنيّة…
أزهر الكرز هذا العام أيضاً زاهياً مع شقائق النعمان ليلّون أراضينا رغماً عن الجميع٫ وحدك مازلت غائباً يا صديقي.
كما تلك الجميلات كان عبيدة٫ تربطه بالأرض القاسية جذور لم يقوَ على قطعها رغم محاولاته العديدة٫ كان يحرد من سوريا ويسافر كلما نال منه التعب واليأس وغلبه وجع الواقع والعجز٫ لكنه دائماً يعود.
عبيدة كان أول الإعلاميين الذي دخلوا الشمال السوري بعد التحرير٫ قبل حتى أن يصبح لدينا معبراً محرراً٫ كنت أسخر منه بأنه سيدخل موسوعة غينس بعدد التقارير والأفلام والبرامج التي أعدها من سوريا خلال العاميين الماضيين٫ لكنه لم يتعب٫ لديه دائماً قصّة عليه أن يحكيها للعالم.
صديقي الشجاع الذي لن تجد شخصاً يصفه بالسوء أو يحكي أنه خذله٫ وأعدك أنك لن تجد أيضاً أحداً تعرّف إليه ولم يحبه مهما بذلت من جهد.
عبيدة الساخر الذي لا تمل من جلسته والكفو الذي لم أقصده مرّة بأي طلب إلا ولبّاني كما كلّ من أعرف.
عبيدة المحب لبطنه والمشتاق دائماً للطبخ والذي يمكن أن أجرّه من الإمارات بأكلة يبرق تعدّها أمي لأجله.
ثمانية أشهر مرّت ثقيلة منذ خُطفك من مقرّ قناة الأورينت قرب تل رفعت في حلب في ٢٥-٣-٢٠١٣
٢٤٠ يوم والشائعات تتلقف قلب أمك المتعبة ومحبيّك الكُثر٫ بعضهم يأس وسلّم للشائعات التي تقول أنك استشهدت وآخرون يتعلّقون بخبر خرج قبل تحرير مشفى العيون في حلب بأنك كنت هناك ونُقلت لسجن السد بالرقة حيث تحتفظ داعش بأجملنا وأنقانا من الثوار هناك.
حسّان الذي مازال مصرّا على وضع صورة عبيدة بين أزهار الكرز على بروفايله يقول “من أول جلسة لي مع عبيدة أحسست أني أعرفه منذ زمن٫ طيب القلب ومزوح ونضجه ووعيه لا يخفيان على أحد٫ وأكثر ما أذكره عنه هو كفونته بأي شيئ وعند أي طلب٫ أكثر ما أحببت فيه هي ابتسامته الحاضرة دائما٫ ولا تزال كل صورة أو فيديو له تهزّني”.
لأمه وجع لا تتسع له الكلمات٫ ابن عمه أخبرني أنها تعيش لتسمع خبراً عنه٫ فالأيام عندها تحوّلت من ليل ونهار وتواريخ منسقّه إلى شائعات وأخبار تتلقّف قلّبها المُرقّع بالأمل.
شريكه بالمقالب عمر أبو الهدى يقول “أحببته كأخوَيّ الشهيدين عبودي ومؤيد٫ هو شخص بسيط وسهل المعشر ولديه القدرة على التأقلم والاندماج مع أي ظرف وأي شخص٫ روحه المرحة لازالت حاضرة في ذاكرتي وأكثر ما أحببته فيه هو حبه لبلده وإخلاصه لها ولأصدقائه٫ في كل مرة كان يقول الوضع أصبح زبالة ولا يطاق ويرحل كان يعود بعد شهر على الأكثر”.
عبيدة الثائر الذي كان يجد دائماً خيط أمل يتعلق به لئلا يتزعزع إيمانه بالثورة والحرية.
في ٢٤-٧-٢٠١٣ أي قبل خطفه بشهر واحد فقط كتب على صفحته على الفييس بوك:
منرجع للجانب الإيجابي الحلو بثورتنا
النظام جنّ جنونو بعد ما رجعت خان العسل بمعظمها لأهلها وأكل الثوار العسل وطلع النظام من المولد بلا حمّص
رشاش الميغ بريف حلب فلتان عالسيارات المدنية ” من هاد تبع الرصاص اللي بيطالع شخطة حمرا ” قال يعني النظام معصّب !!
اما جسر الشغور : انشالله تكمل مع الأبطال هونيك رغم صعوبة المنطقة جغرافياً وتمركز الحواجز بأماكن ما بيشليها إلا صاروخ أخو أختو !
بمعمل القرميد : بقيان قرميدة وحدة عايشة عالمنفسة الإصطناعي والضابط هونيك طقّ مخو مافي غير بيحكي عإدلب بدو تعزيزات …وبإدلب بيجاوبوه” تعزيزات يوك”
وسط جمالية الصورة هون :
رفيقي وأخي إبراهيم الغازي القائم على حملة علمنا بالرقة خطفوه مبارح المسا
إبراهيم اللي نمنا ببيتو وشكينا الوجع لبعضنا أخدوه غدر …” شالوه أو شولوه أو خطفوه “
الحرية ئلو ولثورتنا من الطفيليات الكترانة هالأيام
مازالت حلب تُرّش بمختلف أصناف الحقد بقدراتها التدميرية المتنوّعة٫ لم تتحرر جسر الشغور ولا أي من قراها منذ غيابك ومازال معمل القرميد صامداً بإجرامه كما تركته.
لا خبر عن إبراهيم وقد انضم إليه فراس الحاج صالح ومحمد نور مطر ود.اسماعيل الحامض وعبد الإله ومحمد العمر وسمر صالح وحتى رزان زيتونة وسميرة الخليل!
لا أكذب عليك يا صديقي أجل لقد خطفوا ثائرتنا النشيطة رزان زيتونة وسيمر الشهر الرابع على انضمامها للمجهول الذي تعيشه دون أن نسمع عنها خبراً.
لن أثقل عتمك بأخبارنا المُتعبة٫ عد وسيكون لديناً وقتا كافياً لنسهر عليها مع أباريق عديدة من الشاي و البزر والعقابية والحمّص الأخضر.
اشتقنالك كزهر الكرز…وأكثر..و سننتظرك هذا الربيع.