شقيقة للنعمان تشبّثت بأكتاف ملايين البريطانيين منذ الشهر الماضي، سيّاسيين، مذيعين، عمّال تنظيفات وسائقين عبّروا بخمسة باوندات بريطانية (ثمن الدبّوس) عن دعمهم لشهداء بريطانيا العظمى الذين قضوا منذ الحرب العالمية الأولى عام 1914 إضافة إلى 111 جندياً قُتلوا في أفغانستان العام الماضي.
جوٌّ من الامتنان تستطيع أضعف الخلايا الشمّية التقاطه والاحساس به رغم تخلّله لصقيع الرياح المطرية، يوحّد لون الأنف مع شقيقة النعمان، ويستدعي ابتسامة سريعة لتحيّة وحدة المشاعر.
افتتح الملك هاري احتفالات عيد “البوبي”(اسم الزهرة الرمز ليوم الهدنة) بحفل تأبين مخصص للجنود البريطانيين الذين قتلوا في افغانستان، جاء بعده حفل تأبين خُصّص للصحفيين البريطانيين الذين قتلوا أثناء تغطيتهم النزاعات حول العالم على مدى العقد الماضي.
دقيقتي صمت أبكمت رتم الحياة السريع في بريطانيا الساعة الحادية عشرة تماماً اليوم، وحملة جمعت تبرعات تفوق الـ32 مليون ليرة سورية ستسمر حتى تصل إلى 2520 مليون ليرة سورية لتؤمن دعماً مدى الحياة للجنود الذين أصيبوا في أفغانستان وعائلات “الشهداء”.
بحسب تعريف القاموس الإنكليزي للشهيد بأنه “من يقدّم تضحية كبيرة أو يضحي في سبيل اعتقاد، قضية، أو مبدأ”.
هناك على الطرف الآخر من العالم الثالث، شرقي المتوسّط، حيث عشرات التعريف للشهداء ولا اعتراف، حيث يكون الشهد شهيداً داخل الجدران ويرتدي اسمّاً آخر قبل أن يخرج إلى الشارع.
“من هو الشهيد يا بابا” سأل الرفيق الطليعي ابراهيم والده، فأخرج من جعتبه كليشة منمّقة “يا بوبي أنت كبير كفاية لتفهم، وعليك أن تضع هذه الكلمات حلقة بأذانك، الشهداء هم العظام الذين قدموا التضحيات من أجل اخراج المحتل من بلادنا والذين عطروا تراب أرضنا بعبق المجد، والقادة الأبطال والوطنيين الأحرار الذين قدموا الغالي والنفيس في سبيل رفعتنا وتقدمنا، فتحية محبة واكبار ممزوجة بعطور العزة نهديها لهم”.
ومع صفقة لا إرادية خرج ابراهيم من الغرفة متمسكّا بالقليل من معرفة لم تفسدها خطابات والده الطويلة، بحث في مختار الصِحاح فقرأ “في اللغة الشهيد هو الشاهد، والأمين في شهادة، والذي لا يغيب عن علمه شيء، وأما اصطلاحاً فق أورد الفقهاء تعريفات مختلفة للشهيد فعرفه الشافعية فأنه “من مات من المسلمين في جهاد الكفار بسبب من أسباب قتالهم قبل انقضاء الحرب، كأن قتله كافر، أو أصابه سلاح مسلم خطأ، أو عاد عليه سلاحه، أو تردى في بئر أو وهدة، أو رفسته دابته فمات، أو قتله مسلم باغٍ استعان به أهل الحرب”.
“إذا نحن نعطّل في السادس من أيار احتفالاً بكل من رفسته دابته وارتدّت عليه عصاه عندما كان يضرب آخراً، أو قُتل بغير قصد بسلاح مسلم، وماذا عن المسيحين الذين قُتلوا في سبيل الوطن؟ وماذا عن الذين يقول عنهم التلفزيون إرهابيون يفجّرون أنفسهم في من يعتقدون أنهم كفرة؟ وإذا كنا نحن أهل الدين الصحيح فكيف يعتقد الآخرون بأنهم ينتمون للدين الصحيح أيضاً وبالتالي من يقتل منهم هو شهيد، إذا شهيدنا يقتل شهيدهم!” خبط ابراهيم رأسه من ازدحام الأفكار الضبابية، لكنه قرر رغم كل هذه التداخلات أن يشترك بالمسابقة…
مسابقة أفضل موضوع تعبير عن عيد الشهداء، وقبل أن يشرع بالكتابة قرر الاستعانة بغوغل، على يمين محرك البحث وجد أحمد فيديو للشهداء العظماء وعلى يساره تماماً فيديو لشهداء الوطن، ضربه والده على فمه حتى أدماه عندما سأله عنهم.
خاف أن يسأله عن شهداء 6 أيار و 21 آب و1925 فقرر تغير مفتاح البحث إلى المحاربين القدماء، أخبار عن “وسام شرف المحاربين القدماء العرب للدكتورة العطار تقديرا لتاريخها النضالي في الدفاع عن قضايا الأمة” مع بضعة أخبار عن جريدة الرابطة هو كل ماوجده.
فقرر أن يباشر بالكتابة بكل الأحوال، عصر ذهنه قليلاً حاول يتذكر الأسماء المكتوبة في أسفل كتاب التاريخ شرحاً لرمز النجمة، لكنه لا يقرأ ما ليس عليه علامات، كيف له أن يتذكر!، حتى أن أحداً من الأساتذة لم يتكلّم يوماً عن بطلٍ سوري أو شهيد بشغف يكفي لإلصاقه بذاكرته، وهو لا يفعل شيئاً بعيد الشهداء غير أنه يعطلّ “وهذا أكثر من جميل برأيي، لكنه غير كافٍ لكتابة موضوع تعبير” فكّر.
طبعاً بدأ بتلك الكلمات المعّبرة القوية “إنه عيد الشهداء!” وأعجب ببراعته التعبيرة ثم تابع “عيد كل مجاهد حمل بندقيته ضد المستعمر الغاشم، يومٌ مشرقٌ في حياة الشعب والأمة حيث سطر فيه المجاهدون ملاحم البطولة دفاعاً عن مقدسات الوطن وعزة الأمة، يوم رفعوا لواء أمتهم لتنهض من جديد وتعود إلى مسرح التاريخ تحتل مكانها بشموخ وعطاء بإرادة شعب مكافح يصنع المجد والحرية وتحدوه ثقة بنفسه وبأمته لا تعرف الحدود ليبقى الوطن حراً دائماً”.
“الشهيد منارة تدير درب الأجيال القادمة”..كان القلم يركد وحده مع دفق الكلمات، لم يفكّر حتى، تابع ” تمجيداً للشهداء أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر تحتفل العديد من الدول العربية في السادس من آيار من كل عام بعيد الشهداء ويستذكر ابناؤها بكل فخر واعتزاز التضحيات الكبيرة التي قدمت على مذبح الوطن فتنحني هاماتهم اجلالا لاولئك الذين تساموا الى مرتبة الصفاء الروحي وضحوا بارواحهم لتنعم الاجيال بعدهم بحياة كريمة عزيزة، وسورية التي قدمت وتقدّم القافلة تلو الاخرى من الشهداء تدرك المعاني السامية التي جبلت بها الشهادة وتعرف انها اكبر من الكلمات واكثر دلالة من كل البلاغات وقد يكون من الصعب على اللغات استيعاب معانيها وابعادها”.
أشهر قليلة مرّت، بدأ بعدها ابراهيم يقرأ كلماته مسطورة على الصحف والمجلات مع بضع تعديلات وتحت أسماء أخرى كُتب قبلها الصحفي، ومن وقتها عفّ بوبي عن الكتابة في شرقي المتوسط حيث لا حقوق فكرية للإبداعيات الفردية
زينة ارحيم_لندن