الصراع في سوريا يغيّر تقاليد الخطبة والزواج ولا يُعطّلهما

سوريون يتحايلون على الحرب ويمارسون طقوس الحياة

على الخط الأول من جبهة القتال بين المسلحين المعارضين والقوات النظامية، سرق المقاتلون ساعة فرح أعلنوا فيها خطبة زميلهم القناص أبو خالد و حنان-الممرضة المتطوعة في مستشفاهم الميداني.

جمعتهم حديقة منزل بحي سيف الدولة في ليلة استمر فيها قصف الجيش السوري للحي، جلس العروسان على كرسيين بارزين وخلفهما علم الاسقلال السوري، حنان اختارت ارتداء زيّ التمريض الأبيض فيما بقي أبو خالد بلباسه العسكري والجعبة المُثقلة بالمخازن، ورسم الاثنان ابتسامة لم تفارق وجهيهما طوال فترة “الاحتفال” كما أظهرت الفيديوهات المنشورة على الإنترنت.

تقول حنان “لم يكن حفلاً للخطوبة كان مظاهرة مناهضة للنظام تخللتها خطوبتنا”، وتضيف “لم أرغب بإعلان خطوبتي ولا مكان للاحتفال بقلبي ولم يمض على مقتل أخي المقاتل في حي صلاح الدين خمسة وعشرين يوماً بعد، لكن أبو علي- الذي كان يقود المقاتلين- قال إن علينا أن نخطب فحياتنا في مهبّ الرصاص والقصف”.

الزغاريد والعراضة وقالب الحلوى كانت الأشياء التقليدية الوحيدة التي حضرت الخطوبة، فأبو خالد وحنان خرقا كل العادات بدءاً من تقدّم العريس لخطبة عروسه من أهلها وإنتهاءً بحضور العائلتان للخطوبة بعد اتفاقهما على تفاصيل المُقدّم والمؤخّر والسكن.

“كأية عائلة، حزن أهلي من خطبتي بعيدةً عنهم وبهذه الطريقة، ألحّوا كثيراً أن آتيهم مع أبو خالد، لكنهم يعشيون في منطقة واقعة تحت سيطرة النظام ولا يمكننا تحمل أعباء هكذا مغامرة، وعندما فتحوا مواضيع المهر والمقدم والبيت أخبرتهم أن أبو خالد سيرضيهم وانتهى الحديث بذلك”، تقول حنان.

أما حفل خطوبتهم فانتحى بتحلّق المقاتلين في دائرة متناسقة مركزُها العروسان وهم يهتفون “حريّة..حريّة” فيما يبدو في إطار الصورة لافتات كُتب عليها “ونحن نحب الحياة”..

 

من “طلبات تعجيزية” إلى رمزية

ارتباط حنان وأبو خالد ليس استثناءً في خرق العرسان لعادات وتقاليد الخطبة والزواج خلال الظروف التي تمرّ بها سوريا، فحتى أهل العروس أنفسهم غيّروا من شروطهم التي كانت “تعجيزية” كما يصفها الشبّان لتصبح سهلة.

القاضي الشرعي لإحدى أبرز المحاكم الشرعية التي أقامها المعارضون لإدارة الشؤون القانونية في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، أبو عبد الرحمن السوري عقد بنفسه خمسة وعشرين قراناً، وشهد وأشرف على عقد خمسة وثلاثين عقداً آخرين.

يقول أبو عبد الرحمن للبي بي سي “طريقة تفكير الأهالي اختلفت بشكل كبير في هذين العامين، وبشكل رئيسي شروط الموافقة على العريس وطلبات المهور والمقدم والمؤخر”. ويضيف أبو عبد الرحمن “قبلاً كانت الموافقة على الخاطب تتمحور حول دراسته وعمله ومستواه الاجتماعي، لكن، الآن الغالب أصبح معيار أغلب العائلات هو كون الشاب المتقّدم ثائراً منخرطاً في الأعمال المسلحة ضد النظام، أو مهتماً بإسقاطه كأضعف الإيمان”.

وعن المهور يقول القاضي الشرعي أبو عبد الرحمن إنها أصبحت “رمزية” بعد أن باتت الطلبات التقليدية من ذهب ومقدم ومؤخر مالي “شبه معدومة”.

ومن المهور الرمزية الكثير المأخوذ من السيرة النبوية كأن يقدم الخاطب لعروسه خاتماً من حديد أو أن يحفظ القرآن كمقدم لها. “الكل يريد تيسيير العملية وتسهيلها بعد أن أصبح كل شيء صعب الآن” يقول أبو عبد الرحمن، وعن طبيعية هذه المهور الرمزية يقول “بعض العائلات التي شهدت عقد قران أولادهم مثلاً طلبوا من العريس تقديم دليل على مشاركته في المعركة كأسلحة مغنومة أو حتى أشياء بلا قيمة مادية لكنها تكون ذكرى يأتي بها من ساحة المعركة”.

الشاب حسام، من دمشق، يؤكد هذا، فرغم صعوبة إجراءات الخطبة التي عانى منها حسام بعد نزوح عائلة خطيبته وعدم تمكّنه من رؤيتها منذ أكثر من عام إلا أنه يرى أن الظروف الحالية غيرت وعي الغالبية العظمى من الأهالي فأصبحوا “يقدّرون ظروف الشبان الصعبة وقلة فرص العملي والوضع الاقتصادي المزري الذي تمر به البلاد، لذلك تكون طلباتهم عادة إما حبراً على الورق وغير ملزمة كما في حالتي، أو لا يتكلمون بها أبداً.

مايتعرض له الشعب السوري..واحد

الاستثناءات في عادات الخطبة والزواج وتقاليدهما لم تلق بظلالها على المعارضين المقاتلين على الجبهات فحسب، وإنما أصابت آثارها السوريين بمختلف فئاتهم وتوجهاتهم السياسية ومحافظاتهم.

الصحفي وسام من حلب، تزوج في الشهر الحالي، “بغرفة صغيرة في المنزل الذي نزح إليه أهلي، أقمنا سهرة لا ترقى لأن تُسمّى حفل، حضرها خمسة من أقاربي ومثلهم من أقاربها ولتكتمل الفرحة قُطع التيار الكهربائي علينا أيضاً” يقول وسام ضاحكاً قبل أن يعود لجدّيته ويتابع “أنا الابن البكر لأمي لكنها لم تستطع حتى أن تزغرد في عرسي، نحن إنسانيين ولا نستطيع أن نظهر الفرح بينما جيراننا بين شهيد ومعتقل ومخطوف ومعذّب ومشّرد، كيف نحتفل والحزن في كل دار ونحن بعيدون عن بيتنا!”.

مصاعب وسام وعروسه لم تقتصر على سهرة العرس فحسب، فتجهيز منزلهما الجديد والواقع في حي صلاح الدين كان عبئاً ثقيلاً، حيث شهد هذا الحي أعنف المعارك بين الجيش النظامي والمعارضين المسلحين. يقول وسام “اضطررنا لتأجيل زفافنا شهران بسببه، كنت كلما طلبت عمالاً لإكمال الديكور ينفرون فزعين ويردون بغضب هل تريد أن تقّتلنا!، وبهذا عملنا ببطء شديد ومع عمال انتحاريين أنجزوه أخيراً لتبدأ بعد ذلك معاناة إيجاد الأثاث في الأسواق المغلقة، ثم أخيراً معاناة نقلها إلى المنزل فيما لازال حيّنا ساخناً لا يغيب عنه الرصاص والقصف”.

ليس الوضع بأفضل في مناطق إدلب التي يعمل بها الناشط الإعلامي حازم داكل والذي اضطّر للسفر إلى بلد مجاور ليتم خطبته الشهر الماضي على راما بحضور أمها وأختها فقط. تقول أم راما “لسبعة أشهر وأنا أحاول التعرف على حازم لكن لا هو يستطيع القدوم إلى دمشق ولا أنا أستطيع السفر لإدلب، لذلك قررنا أن نختصر التعارف مع الخطبة في سفرة واحدة”.

وتضيف أم راما “لم أكن أتخيل أبداً أنني سأخطّب ابنتي بهذه الطريقة دون جاهة ولا حفل ولا أهل أو أصدقاء ولا أي شخص من عائلة العريس، لكنها الطريقة الوحيدة لإتمام الخطبة، حرمونا من الحب لن نحرم أولادنا منه..”، تصمت فجأة، تغص الكلمات في صوتها وتتوقف عن الكلام..

حازم أيضاً لم يكن يتخيّل ان يستيطع التقدم لخطبة الصبية التي يحبّها، فالمتطلبات المُتوقعة منه أكثر من قدرته على تلبيتها. يقول حازم “لم أكن اجرؤ على القيام بهكذا خطوة، لكن الآن أهل خطيبتي لم يسألوني حتى إذا كان لدي بيت، ولم يناقشوني بأي موضوع يتعلق بالذهب والمقدم والمؤخر، يعرفون أنني ثائر وأغامر بحياتي لخدمة اهلي وبلدي فأرداو مساعدتي وأرادوني لابنتهم كما أنا وبظروفي الحالية”.

لم تغير الانتفاضة والحرب في سوريا من ظروف الخطبة والزواج فحسب بل دخلت عميقاً في معايير اختيار شريكة الحياة، تقول راما “قبل آذار 2011 كانت من معايير اختياري للشاب أن يكون لديه عمل ثابت ومنزل ملكه ليّعشني حياة جيدة كتلك التي اعيشها الآن في منزل عائلتي”، وتستدرك “الآن الوضع الاقتصادي صعب والعمل الثابت أصبح حلماً، اما المنزل فعدم امتلاكه هو إيجابية لئلا يتعرض للقصف ونخسر كل مدّخراتنا، كما أنني الآن لا يمكن أن أرض بغير معارض، لأنني أعتقد بأن أي شخص يقف مع النظام اليوم هو لا إنساني”.

 

الموت أسرع

هذا الاختلاف في التوجهات السياسية أثر منذ بداية الانتفاضة في العلاقات وأوصل بعضها إلى الانفصال أو الطلاق، وقد شهدت السنة الأولى زيادة في هذه الحالات وتراجعاً في معدّلات الخطوبة والزواج كما لاحظ العديد من السوريين.

إلا أن الإقبال على الزواج ازداد خلال الأشهر الأخيرة بشكل كبير “لأن الناس وجدوا أنفسهم مضطرّين للتأقلم مع الوضع الذي اعتقدوا في البداية أنه مؤقت وقصير” يقول أبو عبد الرحمن. زيادة حالات الزواج هذه ترافقت مع ارتفاع عدد المُرمَلّين الذين خسروا شركاءهم في الحرب الدائرة، كما تسببت الأحداث بقتل وهروب واعتقال واختطاف مئات الألوف من الشبان السوريين مما دفع نساء في داريا بريف دمشق وحمص لرفع لاقتات كتبن فيها “يخرب بيتك يا رئيس، ما خلّيت ولا عريس”.

لكن الموت لم يمنع العديد من العائلات السورية من “زفّ” أولادها من الضحايا بالزغاريد والعراضات التقليدية في جنازاتهم، كتلك التي قادها خال معتز الشعار-أول قتلى حي الميدان الدمشقي- على الأكتاف محمولاً ويداه في وضعية الطيران بدأ العراضة بـ”زوجناه وخلصنا منه”، لينهيها بـ”يا عروق الزيزفون.. زوجوه ما زوجوني، يا عروق الزيزفون..قوصوه ما قوصوني”، يختنق اللحن في صوته يلّم يديه ويكوّرهما على وجهه وهنا يخرج من خلف الكاميرا صوت “عريس الميدان معتز الشعار 23-4-2011”.

لتحميل التقرير الإذاعي

BBC-Xtra Marriage in Syria during War

للاستماع إلى التقرير الإذاعي على صفحة برنامج إكسترا على البي بي سي

http://www.bbc.co.uk/arabic/tvandradio/2012/12/061212_marriage_syria.shtml

أو على SoundCloud

Marriage in Syria during the war

زينة ارحيم

6-12-2012

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.