اللاجئون الفلسطينيون على الحدود العراقية السورية

الموت من ورائهم و السد الحدودي من أمامهم

(أوقفوا علاج ابنها في مستشفى عراقي لأنهم اكتشفوا هويته الفلسطينية…)

على بعد عدة أمتار من الحلم في الغربة الممتدة بين الألم و الأمل على الحدود السورية العراقية تناضل 56 عائلة فلسطينية ضد الشمس والظلمة و الصحراء و الجوع و المرض والذكريات و الإهمال متسلحة بالصبر و الدعاء والأمل.

بعد أكثر من 40 كم من حمص على طريق صحراوي لا يسأم تكرار المشهد ذاته مرارا تلمح الحياة أخيرا على الشريط الحدودي وبعد أن تغادر الأراضي السورية بتلك الأمتار العدة تلمح مخيم التنف.

أجسام صفراء هرمة ومرقعة تسند نفسها على عيدان القصب خشية السقوط و أجسام ضئيلة لفحتها الشمس بلون بني قاتم تتوجه بتثاقل إلى خزانات المياه أو تلحق بطفل شرد من الخيمة خشية أن يصل إلى الشارع الملتصق بالمخيم والذي تعبره الشاحنات المسرعة وأغلبها محملة ب ” مواد قابلة للاشتعال”.

فلسطينيون هجرّوا من أرضهم منذ زمن يحفظون تاريخه عن ظهر قلب ملتجئين إلى أشقائهم العرب العراقيين لا يطلبون غير الأمان ولا يطمحون إلا للرجوع ، وما إن قالوا “ها يا استقرار” اشتعلت الحرب الأمريكية التي حصدت الخراب و الطائفية الميلشيات التي استهلكت قواميس القتل و العنف و الشعارات البراقة الواهية.

” العراق للعراقيين” هو ما حول حياة هذه العائلات لرماد تذروه الأنفاس الغاضبة و تمر عليه الأقدام دون أن التفاته. These tips will assist you to go with a lady.

 

” حيوانات داشرة تعيش بقدرة قادر”

وجدتها جالسة أمام باب الخيمة مع وعاءين و إبريق تصب منه الماء على أغراضها المطبخية البسيطة وقبل أن أسلم بدأت تلح علي بالدخول لشرب كأس شاي وصنع الشاي عندهم مسألة بسيطة للغاية.. تضع ماء الشرب في الإبريق وتصب فوقه الشاي وصحتين وعافية، دون الحاجة للغاز.

بعد تنهد طويل أفرغت أزهار أم محمد جعبتها المدماة من الحكايات الشائكة ” صرلي أربعة شهور بالمخيم وكما ترين نقيم في خيم لا ترد حر الصيف ولا برد الشتاء ونأكل مما تيسر و ليس لدينا حمامات والماء يادوب يكفي والمرض صار منا وفينا بس ……”وبعد صمت لم ترفع فيه عينيها عن أرض خيمتها المتعرج ” إلنا الله” ،”كان عندنا بيوت و أملاك في بغداد ووالله لو بقيت في بغداد ذرة حياة لتمسكت بها وماتركته بس الملثمين و الميلشيات اللي كانت تقتل كل شخص حامل هوية فلسطينية نسفت كل ذرات الحياة و هجرتنا لهذا الفلا ، نعيش كالحيوانات الداشرة بقدرة قادر”.

وتكمل أم محمد ” لا نطمح إلى الدخول إلى سوريا كل مانريده هو أن نخرج من الأراضي العراقية مع خيمنا و نسكن بعد خط التفتيش ” وبعتاب ملتهب تسألني ” أيتسع قلب سوريا لآلاف اللبنانيين و يضيق على 250 فلسطينيا؟”.

ورغم أن جهات عديدة تعمل على تأمين الطعام والماء للاجئين مثل حماس وفتح و UNHCR و فلسطينيو مخيم اليرموك في دمشق فإن الطعام كما تقول خديجة ” لا يشبع جائع ولا يروي ظمآن و يقدم بصورة متقطعة”، وتتابع بعصبية ” نحنا نستطيع أن نتحمل ولكن ماذا عن هؤلاء الأطفال؟”.

أما هدى وهي أم لثلاثة أطفال أخرهم ولد في المخيم و لم يولد على أوراق السجلات بعد فتقول ” أربعة أشهر بلا حمامات ! نحنا على الطريق العام نضطر في كثير من الأحيان إلى انتظار حلول الليل حتى نتبول “.

 

تركوا العراق لأهله فلحق بهم عنفه

هربت فاطمة الشهابي مع ابنيها الشابين و ثلاثة أطفال من يد “الأخوّة العراقية” المتعصبة التي طالت كل من عرفتهم من فلسطينيين يعيشون معها في بغداد ، وأخبرت الشهابي سيريانيوز” نحن مازلنا تحت رحمتهم فمنذ شهر تقريبا جاءت فرقة من الحرس الوطني العراقي لتأخذ شبابنا بتهمة أنهم ارتكبوا أعمالا إرهابية بالعراق ولولا رحمة الله كانوا راحوا ولديّ بين الأرجل ، ألم يبقى أشرارا بالأرض غيرنا؟”

وتتدخل أختها بالحديث لتخبرني عن قصة تلك المرأة التي كانت هاربة من العراق مع زوجها بسيارتهم فاستوقفتها عصابة من الملثمين سلبوا منهم كل ما خرجوا به و قتلوا زوجها وبعد أن عرفوا أنها بالمخيم أرسلوا لها صوره و هو مقطع، وتنتفض وتلف يديها حول جسدها و هي تصف لي الصور ثم تزيح الصورة من أمام عينيها وتقول “لم كل هذا الحقد ؟”.

و تشتكي فاطمة من حياتها المكشوفة وأفعالها اليومية الاعتيادية التي أصبحت هما يحتاج إلى التخطيط تقول ” أحيانا تلاقي الشاحنات صعوبة في العبور فتقف في صف طويل محيطة بمخيمنا و قد يطول بقاءها لثلاثة أيام او أربعة ، ولا يجد سائقو الشاحنات ما يسلون به أنفسهم إلا تلفزيون الواقع الذي يعرض لهم نسوتنا وتحركاتنا، ونحنا لا نملك أي مهرب وليس لدينا جدارا ننستر خلفه”.

 

” الشعب العربي وين؟

لم تثني سيوف شمس الظهيرة القاتلة و الرياح الترابية التي تملأ الصدر و تقتل الأنفاس الأطفال عن اللعب والغناء فدون سابق اتفاق تجمعوا حول إحدى الخيم وشرعوا بالغناء ، مقتطفات قصيرة من كل أغنية هي كل ما علق بذاكرتهم إلا أغنية واحدة غنوها بمقاطعها وحرفيتها وهم يصفقون ويتمايلون ” وين ، وين ..الشعب العربي وين ، الدم العربي وين…”

تقول فرح التي بلغت الثالثة عشرة من عمرها في المخيم ” بدي روح على سوريا ، العراق صار لا يطاق ، خراب ونهب و خوف ، بدي روح على المدرسة بدون ماشوف دم بالشارع ،بدي اتنفس هوا بلا تراب ،بدي استند على حيط ونام على أرض ساوية “.

أما لؤي وعمره 12 سنة فكان منهمكا في حفر قناة تصريف للمياه من خيمته إلى الطريق ليتمكن من الاغتسال دون أن يراه كل من في المخيم وكان يستخدم للحفر نمرة سيارة لا يستطيع تمييز حروفها الأجنبية التي تقول بأنها كانت لسيارة أمريكية.

و برجفة مافارقت يديها و صوتها تخبرني ابتسام وهي أم لأربعة أطفال أحدهم مصاب بورم دماغي ” كان ابني يتلقى علاجه الكيميائي في مستشفى عراقي وعندما عرفوا أنه فلسطيني توقفوا عن علاجه ، هكذا بكل لباقة لانريد علاج ابنك”

وتتحدث عن السبب الآخر الذي جعلها تترك بيتها و أهلها العراقيين و تهرب مع زوجها الفلسطيني ” جاء شخص ملثم إلى بيتنا قال أنا من (أهل البيت) وهذا آخر تنبيه لتتركوا العراق وإلا سنبيد عائلتكم عن بكرة أبيها ، فخرجنا تحت جنح الظلام ويدنا على قلبنا” و تضحك بمرارة وتعلق ” قمنا من على الجرة لنقعد على دانها ، هربنا من القتلة إلى الصحراء والعقارب والحيات “.

وانتهى الصباح و بدأت كل خيمة تشعل فانوسها الكازي ليضيء ظلمة انتظارهم و يطرد كوابيس الخوف من أخيلتهم وخرج طفل عار من خيمته تمتد إليه يد مختبئة في خيمتها تسكب فوقه أوعية من الماء ولا تأبه لبكائه المتواصل ومقاومته المستكينة ، ويهب عليه التراب لينجبل مع الطين صانعا منه تمثالا للحياة الفلسطينية في التنف.

زينة ارحيم ….سيريانيوز

http://www.syria-news.com/readnews.php?sy_seq=37346

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.